ياسر أيوب

بعدما عرفت إفريقيا كرة القدم، وبدأت تحبها وتلعبها، وكانت في معظم بلدانها كبرياء وانتصارًا على غطرسة مستعمر ومحتل .. أصبحت بعد ذلك اللعبة في يد كثيرين سلاحًا يحاربون به الفقر والخوف وبابا مفتوحًا على أوروبا للهجرة إلى حيث المال والحياة.. وظل الأفارقة الصغار يهاجرون سنة بعد أخرى، ويتزايد عددهم، حتى أصبح المتوسط في السنوات العشر الأخيرة قرابة ٦٠٠٠ شاب وصبى إفريقى كل سنة .. ولا ينجح معظم هؤلاء في تحقيق أي حلم، وتنتهى مشاويرهم إما بالموت أو الضياع أو العودة إلى الوطن بأحلام مسروقة .. ورغم دوام هذه الحكاية سنة بعد أخرى، فإن هناك حكاية جديدة بدأت تتضح معالمها تخص الذين كانوا هناك ثم قرروا بمحض إرادتهم أن يعودوا إلى أوطانهم الأولى.

 

ولم ينتبه كثيرون إلى أن من بين ٦٣٠ لاعبا، مثلوا ٢٤ دولة فى بطولة أمم إفريقيا في كوت ديفوار .. هناك ۲۰۰ لاعب قرروا واختاروا اللعب لبلدانهم الإفريقية، وأصبحوا كالطيور المهاجرة التي مهما ارتحلت وغابت وتاهت تحت سماوات بعيدة فلابد من يوم تعود فيه بعد طول سفر واغتراب... وبدأت الاتحادات الكروية الإفريقية تستغل أحد قوانين «فيفا»، الذي يسمح لأى لاعب احتفظ والداه بجنسيتهما الأصلية بأن يعود ويلعب لهذا البلد، حتى إن لعب في الماضى للبلد الذي هجرت أسرته إليه ... وكانت الكونجو الديمقراطية وكاب فيردي من أكثر بلدان إفريقيا نجاحًا في استعادة اللاعبين الذين ولدوا في الشمال وعاشوا سنوات طويلة بعيدا عن أوطان أمهاتهم وآبائهم .. وفى مونديال ۲۰۲۲ في قطر.. كان ١٦ من اللاعبين مولودين في بلد غير الذي يلعبون له فى المونديال.. وكانت المغرب هي صاحبة الحصة الأكبر بأربعة عشر لاعبا، ثم السنغال باثنى عشر لاعبًا، ثم غانا بثمانية لاعبين.

 

ولم تكن آمنة رحلة عودة كل هذه الطيور المهاجرة إلى بلدانها الأصلية. فهناك من اتهم هؤلاء اللاعبين بأنهم لم يعودوا حبا في أوطانهم وفرحة باللعب لها، إنما عادوا لأنهم ليس لهم مكان في منتخبات البلاد التى ولدوا وأقاموا فيها .. وهناك لاعبون محليون رفضوا عودة المهاجرين، واتهموهم بالطمع، وأنهم أرادوا الجمع بين المال الأوروبي والظهور كأبطال وطنيين في بلدان عائلاتهم.. وإذا كانت مثل هذه الاتهامات تصدق على بعض اللاعبين العائدين.. فإن العدد الأكبر من هؤلاء اللاعبين أرادوا العودة إلى وطن وعلم، وكانت لبعضهم فرصة حقيقية للعب لمنتخبات بلدان إقامتهم. وهناك حكايات كثيرة، كتبت بعضها هنا عن لاعبين اختاروا بمحض إرادتهم العودة إلى حضن ماما أفريكا بدافع حب وانتماء وحنين لأوطان تعرفوا عليها من حواديت أمهات وآباء وجدود .. وكان سحر ماما أفريكا أكبر من إغواء وأضواء الشمال البعيد .

نقلا عن المصرى اليوم