عاطف بشاى
تقمصت دماغ محلل كروى، (وهى مهنة أنيقة مستحدثة يباشرها شباب من ذوى الياقات المنشاة والكرفتات الترند)، وقررت أن أبادر بدعوة مجموعة من الأصدقاء الكرويين فى ندوة لمناقشة أسباب فشل المنتخب الوطنى فشلًا ذريعًا فى تخطى دور (16) لبطولة الأمم الإفريقية.. وتضم تلك الندوة مدربًا وطنيًّا ذائع الصيت، ولاعبًا معتزلًا ساخطًا، وإداريًّا مخضرمًا لوذعيًّا باتحاد الكرة، ومعلق مباريات متحذلقًا يستخدم مصطلحات جديدة مدهشة- أصبحت شائعة تخاصم لغتنا العربية الجميلة، فيمتدح لاعبًا يفخر بأنه يتمتع بالشراسة الهجومية، غافلًا أن تعبير الشراسة يعنى السلوك العدوانى الإجرامى.. ويشيد باللاعبين الجادين بأنهم «رجالة»، كما لو أن السائد أنهم ينتمون إلى جنس آخر.. ويصف أداء لاعب آخر بالمهارة، مؤكدًا أنه يمتاز إلى (حد ما)، وهو يقصد إلى (حد كبير).. أو أنه «فايق النهارده»، وكأنه من الشائع أن يكون مسطولًا.. وهكذا.
بادرت كمحلل كروى جهبذ بالتأكيد أن المدرب «فيتوريا» ارتكب خطأ فاحشًا باعتماده على طريقة لعب هى 4/3/3، التى تتناقض تناقضًا فادحًا مع إحداثيات تعامد الخطوط الرأسية للملعب مع زاوية الميل المتصلة بدائرة «السنتر» فى حالة تقدم ظهير الخصم للالتحام مع «التماس» أثناء اندفاع مهاجمنا، مرتكبًا جريرة «الأوفسايد» غير الشرعية.. وافقنى المدرب الوطنى، مؤكدًا أنه مدرب فاشل شعاره أن يلعب المدافعون بطريقة «حلق حوش».. و«اللى يفوت يموت».. وخط الوسط بطريقة «بختك يا ابو بخيت» و«عك وربك يفك».. و«تيجى مع العور طابات»، وخط الهجوم بطريقة «استنى لغاية ضربات الجزاء وانت وحظك، والسعد ماهوش بالشطارة.. والمغلوب مغلوب وفى الآخرة ينضرب بالطوب».. أى أنه فى النهاية مدرب بلا خطة واضحة، ويعتمد اعتمادًا أساسيًّا على الحظ وتصاريف القدر وفلسفة «الصدفة».. ويُشيع اليأس والإحباط بين اللاعبين.. وبالتالى فإن إقالته أصبحت ضرورة حتمية، بل واجبًا قوميًّا، كما يجب أن يتم الاعتماد فى هذه المرحلة الحرجة على المدرب الوطنى.. ويلمح إلى نجاحاته العظيمة فى سابق عهده فى إحراز البطولات، لكن إدارى الاتحاد رفض إقالة المدرب رفضًا قاطعًا.. مرددًا بانفعال بالغ.. ثانيًا.. فبادرته بدهشة: أنت لم تقل أولًا، فقال بحسم: لأن ثانيًا أهم.
ثم استطرد موضحًا: ثانيًا الشرط الجزائى المطلوب دفعه للمدرب باهظ.. وفى النهاية اللى يحتاجه البيت يحرم على «فيتوريا».
عندئذ هتف اللاعب السابق فى سخط وغمز ولمز: والله اللى شبكنا يخلصنا.. ملمحًا إلى خطأ إدارة المنتخب فى إبرام العقد مع المدرب بالموافقة على هذا الشرط، فجأة هتف المعلق الكروى الجهبذ:
- الحقيقة أن «حسن شحاتة» هو المسؤول عن هذه الأزمة العويصة.
تبادلنا نظرات الدهشة البالغة، وصحت مستفسرًا: «مال حسن شحاتة بهذا الأمر؟!».
ما إن هَمَّ المعلق الكروى بالتفسير حتى قاطعه اللاعب المعتزل فى غضب جامح:
- بل إن اتحاد الكرة هو المسؤول الأول والأخير، وينبغى عليه تقديم استقالته الجماعية فورًا.. قال المعلق الكروى مؤيدًا: الاستقالة لا تكفى.. بل من الضرورى التحقيق مع مسؤوليه ومحاسبتهم حسابًا عسيرًا عما اقترفوه من خطايا فى حق الجماهير العريضة الغاضبة بخروجهم المهين من البطولة.
اعترض عضو اتحاد الكرة مرددًا: استقالة مجلس الادارة لن تحل المشكلة لأن الذى سوف يدير الاتحاد حتى شهر أكتوبر القادم هو المدير التنفيذى.. وفى هذه الفترة المنتخب الوطنى لديه ارتباطات فى غاية الأهمية، ومن الصعوبة البالغة أن تُقام المباريات فى ظل لجنة مؤقتة..
ثم أردف فى سخرية: وهل كنتم سوف تطالبون بإقالة أو استقالة مجلس إدارة الاتحاد.. لو نجح «أبوجبل» فى إحراز هدف الترجيح عند تسديد ضربة الجزاء؟.
صحت مؤكدًا: الحقيقة أنه لا المدرب ولا اتحاد الكرة ولا اللاعبون ولا أبوجبل هم المسؤولون عن الفضيحة. المسؤول الحقيقى الذى يجب محاسبته هو «الشناوى».
ضحك المعلق الكروى متهكمًا: «الشناوى»، الذى لم يلعب المباراة؟!.. هل كنت تريده أن يلعب وهو مصاب؟!.
قلت: «لا».. لقد دبر حيلة خبيثة أدت إلى فشل «أبوجبل» فى الذود عن مرماه وصد ضربات الجزاء، فقد أوعز له أنه اتصل بـ«عرافة» شهيرة أعطته الزجاجة المكتوب عليها أسماء الخصوم الذين سوف يسددون ضربات الجزاء فى الزاوية اليمنى لمرمى «أبوجبل»، الذى شكره على روحه الرياضية الرائعة فى مساندته.. وارتمى كل مرة فى نفس الزاوية.. ولم يدرك أن «الشناوى» يتآمر ضده لكى يفشل.. ويتم الاستغناء عنه فى حراسة مرميى الأهلى والمنتخب.
صفق المعلق الكروى استحسانًا وإعجابًا بتفسيرى، لكنه استدرك مؤكدًا: ولكن هذا لا يمنع أن «حسن شحاتة» أيضًا مسؤول.. أنا مُصِرّ على ذلك، ثم أسرع موضحًا: لولا نجاح «حسن شحاتة» العظيم فى تحقيق الفوز وانتزاع بطولة أمم إفريقيا فى ثلاث دورات متعاقبة.. لمَا غضبت جماهير المشاهدين ولا المسؤولين عن الكرة ولا النقاد.. ولا حضراتكم على هزيمتنا المنكرة، فقد تعودنا عليها، وسعدنا بها، وارتضينا بالقسمة والنصيب والحظ.. وقيراط بخت ولا فدان شطارة.
تقلا عن المصرى اليوم