مراد وهبة
يبدو أن عنوان هذا المقال ينطوى على مفارقة، ولكنها مفارقة مقبولة لأن قائلها هو البابا بيوس الثانى عشر وكان يقصد بهذا اللقب المستشرق الفرنسى لوى ماسينيون (1883-1962) الذى كان أول كاثوليكى يفتح حوارًا مع العالم الإسلامى فى سياق التصوف الإسلامى. وكان قد تعلم اللغة العربية ونال دبلوم اللغة العربية الفصحى والعامية فى فبراير من عام 1906.
والذى دفعه إلى فتح هذا الحوار مردود إلى أن رسالته الأولى للدكتوراه عنوانها «عذاب الحلاج: شهيد التصوف فى الإسلام»، أما الرسالة الثانية فعنوانها «نشأة المصطلح الفنى فى النصوص الإسلامية»، وقد نوقشت فى 24 مايو من عام 1922 وكان هو اليوم الذى احتفل فيه العالم بمرور ألف عام على صلب الحلاج.
والسؤال بعد ذلك لماذا قال ماسينيون عن الحلاج إنه شهيد؟، وكان جوابه أن ذلك كان بسبب عبارته «أنا الحق» التى ورد ذكرها فى كتاب الحلاج المعنون «الطواسين» والتى كانت من الأسباب التى أدت إلى قتله وإحراق مؤلفاته. وكان ماسينيون هو الناشر لهذا الكتاب الذى كان قد صدر فى عام 913. وكان رأيه أن عبارة أنا الحق معناها أنا الحق الخالق.
وقد قصد بهذا المعنى الإشارة إلى ثنائية الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية وعبَر عنها الحلاج شعرًا عندما قال: أنا مَنْ أهوى ومَنْ أهوى أنا.. نحن روحان حللنا بدنا.. فاذا أبصرتنى أبصرته.. وإذا أبصرته أبصرتنا.. وإثر ذلك سُجن الحلاج فى ذلك العام وأُعدم فى عام 922 وبعد مرور ألف عام احتفل العالم بموت الحلاج. وعندما علم ماسينيون أن جورج شحاتة قنواتى (الشهير بعد ذلك باسم الأب قنواتى) قد انخرط فى الرهبنة ذهب إليه فى فرنسا حيث يقيم وكان ذلك فى 26 يونيو من عام 1934 وحدثه عن العلاقة بين الإسلام والمسيحية ثم تعددت اللقاءات.
وفى يناير 1941 تأسست جماعة «إخوان الصفا» فى القاهرة تحت رعاية لوى ماسينيون وبعضوية شيوخ من الأزهر وأساتذة الفلسفة من جامعة فؤاد الأول. وعندما كان يحضر إلى القاهرة لحضور جلسات مجمع اللغة العربية كان يلقى محاضرات كل يوم ثلاثاء فى مركز دار السلام بميدان التحرير. وكنت أستمتع به وهو يشد شعر رأسه من أجل إخراج الكلمات باللغة العربية.
والجدير بالتنويه بعد ذلك أنه عندما سئل ماسينيون من قبل امبراطور إيران رضا بهلوى عن رأيه فى تحويل إيران إلى دولة علمانية، نصحه بالابتعاد عن هذا التحول لأنه مرفوض من علماء المسلمين، والبديل هو التصوف لأنه جوهر الإسلام. وفى سياق هذا الزمان إذا أعيد السؤال فماذا يكون الجواب؟، يكون على النحو الآتى: حكم الملالى الذى يستند إلى الأصولية الإسلامية التى تستند بدورها إلى حرفية النص الدينى. ومع حكم الملالى اشتعل الصراع عالميًا.
فما العمل؟.
نقلا عن المصرى اليوم