Immanuael Kant
( 1724- 1804 )


بقلم/ماجد كامل
يمثل الفيلسوف الالماني " إيمانويل كانط " ( 1724- 1804 ) أهمية كبري في تاريخ الفكر والفلسفة ؛ حتي أنه لقب ب" قمة التنوير '> عصر التنوير " .  أما عن كانط  نفسه ؛فلقد ولد في  22 ابريل 1724 ؛  من أسرة بسيطة  أهتمت بتربيته  علي الفضيلة والأخلاق ؛ وعن تأثير هذه التربية عليه يقول " الفضل في تربيتي يعود إلي  أمي  التي كانت أمراة تقية ورعة طيبة " .  ثم درس في جامعة ليبزج  ؛ وعندما أصبح في سن الثلاثين حصل  علي درجة الدكتوراة في الفلسفة ؛  ثم عمل أستاذا في نفس الجامعة  ؛ وتدرج في المناصب حتي وصل الي منصب " مدير الجامعة " عام 1786 . واستمر في الكتابة وإلقاء المحاضرات  حتي توفي في 12 فبراير 1804 عن عمر يناهز    عاما .

ولكانط خمسة كتب أساسية  ؛ يعتبر كل كتاب منهم نقلة نوعية في تاريخ الفكر البشري ؛ اما الكتب الخمسة فهي :-

1-نقد العقل الخالص :- وفيه يهتم بتقييم العقل النظري أو المجرد .
2-نقد العقل العملي – وفيه يهتم بتقييم العادات والسلوكيات البشرية .
3-نقد ملكة الحكم :- وفيه يهتم بتقييم الضمير البشري .
4-الدين في حدود العقل الخالص :- وفيه يتكلم عن رؤيته للدين .
5-مشروع السلام الدائم :- وهو ما سوف تتناوله بالتلخيص في المساحة المتبقية من المقالة .

كما أن له مقالة يالغة الأهمية بعنوان " ما التنوير ؟ " نشرت في أحدي المجلات الإلمانية الشهيرة في عدد شهر ديسمبر 1784 ؛ كان لها دورا كبيرا ومؤثرا في   نشأة وتطور التنوير '> عصر التنوير Enlightenment    ولقد قام الدكتور عبد الغفار مكاوي  يترجمتها عن اللغة الإلمانية ؛ ونشرت في كتاب " دراسات في  الأدب والفلسفة " الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1995 . أرجو أن تتاح لي الفرصة لعرض بعض فقراتها في الوقت  المناسب إن شاء الله .

 أما عن كتاب " مشروع للسلام الدائم "  ؛  فلقد كان ومازال حلم السلام  الدائم هو حلم البشرية منذ الأزل وإلي الأبد ؛وفي سبيل تحقيق هذا الحلم كرس كثير من الفلاسفة والمفكرين عمرهم كله لدراسة وسائل تحقيقه؛ومن أهم الفلاسفة الذين أهتموا بدراسة وسائل تحقيق هذا الحلم كان الفيلسوف الإلماني الشهير أمانويل كانط . وفي سبيل تحقيق هذا الحلم كتب الفيلسوف الشهير كتابا هاما بعنوان " مشروع للسلام الدائم "Perpetual Peace ظهرت الطبعة الأولي منه خلال عام ( 1795 م ) ؛ عندما كان يبلغ من العمر حوالي 71 عاما تقريبا؛ولقد  بلغت شهرة الكتاب الحد الذي بيع منه ألف وخمسائة نسخة في أسابيع قليلة ؛ كما تمت ترجمته إلي العديد من اللغات .  وتمت ترجمة الكتاب إلي اللغة العربية علي يد الفيلسوف المصري الكبير  الدكتور عثمان أمين ( 1905- 1987 ) . وظهرت الطبعة الأولي منه عن طريق مكتبة الأنجلو خلال عام 1952 . كما أعيد طبعه في سلسلة "ميراث الترجمة " الصادر عن المركز القومي للترجمة تحت رقم (2987 )  كما صدرت منه طبعة خاصة عن مكتبة الأسرة  في سلسلة الفكر خلال عام ( 2010 ) والفكرة الجوهرية التي يدعو أليها كانط في هذا الكتاب هي  ضرورة وجود اتحاد بين الدول يقضي بتحريم الحروب ؛فالعقل يدين الحرب إدانة تامة ؛ولا يستطيع أن يمنع الحروب إلا حكومة دولية فقط ؛ وهو في هذا الكتاب كأنه كان يتنبأ بقيام ما عرف بعد ذلك  بهيئة الأمم المتحدة ؛ ولقد وضع كانط مجموعة شروط رأي أنها أساسية لتحقيق السلام العادل ؛وهذه الشروط هي :-

1- أن معاهدة السلام لا تعد سارية إذا أنطوت نية عاقديها علي  إثارة أي أمر من شأنه إشعال نار الحرب من جديد
2- إن أي دولة مستقلة – صغيرة كانت أو كبيرة – لا يجوز أن تملكها دولة أخري بطريق  الإحتلال أو الميراث أو التبادل أو الشراء أو الهبة .
3- يجب أن تلغي الجيوش الدائمة علي مر الزمان ؛ لأنها تهديد دائم للسلام العام .

4- يجب أن لا توجد  قروض وطنية من أجل المنازعات الخارجية للدولة ؛ لأن هذه القروض تيسر أسباب قيام الحرب من جهة ؛كما أنها تؤدي إلي إفلاس الدولة علي المدي الطويل من جهة أخري.

5- يحظر علي كل دولة أن تتدخل بالقوة في نظام أي دولة أخري أو في حكومتها ؛فالدول كالأفراد لها حرمتها ولها وحدها حق التصرف في شئونها الداخلية.

6- لا يسمح لأي دولة في حرب مع أخري أن ترتكب أعمالا عدائية كالقتل والتحريض علي الخيانة مما يعوق عودة  الثقة بين الدولتين بعد نهاية الحرب.

أما عن المباديء العامة التي يقوم عليها السلام الدائم فهي :-
1- يجب أن يكون الدستور المدني لكل دولة دستورا جمهوريا وليس ملكيا  ؛فالنظام الجمهوري  يجعل  من يقررون الحرب هم أنفسهم الذين سوف يتعرضون لشرورها .وليسوا خاضعين لأهواء ملك ظالم أو مستبد .

2- يجب أن يكون  السلام بين الحكومات قائما علي التعقل ؛فالعقل-  وهو المنبع الأعلي لكل تشريع أخلاقي – ينكر أطلاقا أن تكون الحروب وسيلة لتحقيق العدل والحق ؛ ويجعل من إحلال السلام محل النزاع  واجبا مباشرا .

3- حق النزيل الأجنبي في تكريمه ؛ وهذا يعني حقه أن لا يعامل كعدو في البلد الذي يحل فيه ؛ مادام مسالما ومطيعا لقوانين الدولة ؛بل له حق الضيافة والإكرام ما دام ملتزما بقوانين االبلد المقيم فيه

ويلخص كانط جوهر دعوته وفلسفته إلي ضرورة السلام الدائم في هذه العبارة " ان مشكلة العلاقات الدولية لا يمكن أن يوجد لها علي الصعيد الحقوقي وحده . بمعني أن تحقيق فكرة قيام سلام دائم بين الأمم لا يمكن أن يكون سوي غاية وواجب اخلاقي يفرض نفسه علي ضمير ووعي  أولئك الذين يسيرون العلاقات الدولية بين الأمم " .  .

كما دعا "كانط" في نهاية كتابه إلي ضرورة التزام جميع الحكومات بما أسماه "قانون الأمم " وطالب أخيرا جميع الحكومات بالاعتراف بحقوق للرجال والنساء في كل مكان ؛ لأنهم جميعا كما قالوا "مواطنون عالميون " .