الأب رفيق جريش
في جو من الخشوع والتقوى والمحبة جرى يوم الخميس الماضي 15 فبراير 2024 حدث مهم جداً في الفاتيكان لم يأخذ حظه من الإهتمام الإعلامي والصحفي في مصر رغم أنه موضوع وحدث يخص مصر والمصريين ففي إطار صلاة لوحدة المسيحيين تم تكريم والصلاة للشهداء الواحد والعشرون الذين ذبحوا على شواطيء سرت – بليبيا على يد داعش أو كما يسمونهم في الغرب ” الدولة الإسلامية” . فقد مرت تسع سنوات منذ الخامس عشر من فبراير 2015 عندما تم الذبح في 20 شاب مصري وشاب غيني من العمال البسطاء الباحثين عن لقمة العيش وهم يتمتمون صلواتهم قبل أن ينالوا الشهادة ، وقد تأثرت كثيراً الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بذلك الحدث كما تأثرت مصر كلها لهذا الحدث الجلل ، فكان أمر القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس عبد الفتاح السيسي أن أعطى أمراً في اليوم التالي مباشرة حيث تم الرد المصري الرادع على حدث الذبح وكان رداً قوياً وشافياً .
ففي 11 مايو الماضي اثناء زيارة قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأخيه وصديقه قداسة البابا فرنسيس بابا روما وفي أثناء صلاة مشتركة في ميدان القديس بطرس أمام جمع كثير من المصلين أعلن البابا فرنسيس أن الشهداء الـ 21 الذين ذُبحوا في سرت سيسجلوا في كتاب الشهداء للكنيسة الرومانية تماماً كما تم إدراج أسمائهم في السنكسار (تاريخ القديسين والشهداء) للكنيسة القبطية الأرثوذكسية وبهذه المناسبة تم يوم 15 فبراير الماضي عرض ذخائرهم (بقايا أجسادهم ) والتى أهدى بعضها قداسة البابا تواضروس الثاني لقداسة البابا فرنسيس في حانية كاتدرائية القديس بطرس للصلاة المشتركة التي ترأسها الكاردينال كورت كوخ رئيس دائرة الوحدة المسيحية بالفاتيكان وحضرها لفيف من أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية وغيرها من الكنائس وكذلك سيادة السفير المصري لدى الفاتيكان السفير محمود على طلعت و كما تم في هذا الحدث مشاركة من كورال مصري للكنيسة الأورثوذكسية في الترتيل لهذه الصلاة .
المعنى الأول العميق لهذا الحدث الكبير هو تسجيل الشهداء في الكتاب الروماني الخاص بالشهداء وبذلك يجعلهم قديسين مشتركين بين الكنيستان الشقيقتان وأداة مشتركة بينهما وعلامة وحدة روحية بل كما قال البابا فرنسيس ” وحدة في الدم ” أي في الشهادة ، فمن المعروف أن من بعد القرن الخامس الميلادي لم يعد بين الكنيستين قديسين مشتركين ولكن ما قبل ذلك في عصر كانت الكنيسة في العالم شركة مع بعضها البعض كانوا القديسين والشهداء مشتركين مثل القديس كيرلس الأسكندري والقديس أثناسيوس الرسولي وغيرهما . فبعد خمسة عشر قرن ونيف تتم علامة شركة في الشهادة والإستشهاد ،فكلمة استشهاد فعلها ” شهد ” ومن ثم شهادة أي أن الشهيد يستشهد لأنه شهد لإيمانه والشهادة للإيمان سابق لفعل الأستشهاد .
أما المعنى الثاني الأعمق هو أن كل مصري مسيحي أو مسلم ، قبطي او كاثوليكي أو غيره من أبناء الطوائف المصرية سيشعر أكثر وأكثر بالأخوة الإنسانية المشتركة حيث أن الشهادة من أجل الإيمان هو عامل مشترك بين كل الأديان وليس فقط من أجل الإيمان ولكن من أجل الوطن مصر الذي علم العالم الإيمان وهيئها لتتلقى الأديان الإبراهيمية الإيمان بالله الواحد .
نقلا عن المصري اليوم