حمدى رزق

.. وشخصيا لمست كرما من كرماء مقدرين، ولولا تواضعهم لذكرت آيات من كرمهم، لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذوو فضل، وبعد فضل الكريم الحنان المنان سبحانه وتعالى، كان فضلهم سابغا، وكرمهم حقيقيا، والكرم الحقيقى هو أن تقوم بشىء لطيف لشخص لن يكتشف ذلك أبدًا.

 

معلوم من يزرع المعروف يحصد الشكر، كتاب الكُرَماءُ يكتبه الشاكرون، يعجب المصطفى صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له».

 

والإمام على بن أبى طالب يقول فينا «إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد ولن ينقطـع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد».

 

والمثل العربى يقول «اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك»، وبالشكر تدوم النعم.

 

وفى سياق الكرم «أجود الناس من جاد عن قلة وصان وجه السائل عن المذلة».. الكرماء ينقصهم المال، والأغنياء ينقصهم الكرم، قال الإمام على رضى الله عنه «الْنَّاسُ رَجُلانِ: جَوادٌ لا يَجِدُ، وَواجِدٌ لا يُسْعِفُ».

 

قول الإمام الحكيم حفزنى للبحث فى المكتبة العربية عن «كتاب الكُرَماءُ»، فوقعت على «كتاب البُخلاء»، الكتاب العمدة، كتاب دوّن فيه «أبوعثمان عمرو بن بحر الجاحظ» بعض صور البُخل فى الذين قابلهم وتعرف عليهم فى بيئته الخاصة، خصوصًا فى بلدة «مرو» عاصمة «خراسان».

 

بلغة فريدة، فكاهية تفج من بين سطورها سخرية مريرة، صور أبوعثمان (الجاحظ) البخلاء تصويرًا واقعيًا حسيًا نفسيًا فكاهيًا، وثّق فيه حركاتهم ونظراتهم المستريبة، القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم وأطلع العامة على أحاديثهم، وكشف عن نفسياتهم وأحوالهم جميعًا.

 

وقصص الكتاب عبارة عن مواقف هزلية تربوية قصيرة، وُثقت فيها الألفاظ العامية المتداولة فى فترة كتابته، تكثر فى القصص الحوارات، كما يُعتبر دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس وهم البخلاء.

 

الكتاب الفخيم يؤصّل تفشى ظاهرة البخل فى المجتمعات بدل الكرم والجود، واعتبار البخل فطنة ورجاحة عقل واعتدال، وليس شحا.

 

للأسف، بخلت المكتبة العربية بكتاب عن «الكُرَماءُ» فى شهرة كتاب الجاحظ، ويستحقون كتابا يوثق آيات الكرم، والكَرَمُ بمعنى الجُود، السَّخَاء، ومنه كَرَمُ الأَخْلاَقِ، نُبْلُهُ، سُمُوُّ النَّفْسِ، وكُرَماءُ جمع كَريم، ورَجُلٌ كَرَمٌ بمعنى كريم، وأَرضٌ كَرَمٌ أَرضٌ طيِّبةٌ.

 

ليت كاتبا كريما يتكرم علينا بكتاب عن الكرماء، وهم بين ظهرانينا كثر، فى شوق إلى كتاب عامر بالحكايات والشخوص والبيوتات الكريمة مفتوحة الأبواب لا ترد سائلا بل تسبغ عليه من الكرم.

 

من أقوال الشاعر والكاتب المسرحى الإنجليزى الشهير «وليم شكسبير»: «زينة الغنى الكرم وزينة الفقير القناعة وزينة المرأة العفة»، وكم من أغنياء زينتهم الكرم، ويقال فى وصف كرمهم أكرم من حاتم الطائى.

 

ويقال المثل «أكرم من حاتم» فى الرجل الذى يُعرف بالكرم، وقد اشتهر عن العرب الكرم، ولكن حاتم الطائى كان من أشد العرب كرمًا حتى أصبح العرب يضربون به المثل فيقولون للرجل الكريم أكرم من حاتم الطائى.

 

الروائى الشهير «ماريو بارجاس يوسا» يصك تعبيرا راقيا «الكرم هو أن تعطى أكثر من استطاعتك، وعزة النفس هى أن تأخذ أقل مما تحتاج».

نقلا عن المصرى اليوم