باسر أيوب
لم يكن رورى سميث هو أول من استعاد التاريخ الكروى بكثير من الحسرة والحزن ومقارنته بالحاضر والمستقبل.. فقد سبقه إلى ذلك كثيرون تخيلوا أن اللعبة أبدا لن تخذلهم ولن تنسى حكاياتهم القديمة معها.. ونحن فى مصر- على سبيل المثال- نتوقف أحيانًا ولا نرضى بحاضرنا الكروى، رغم أننا كنا أول دولة إفريقية تشارك فى الدورات الأوليمبية وتلعب فى نهائيات المونديال..
لكننا فى كل الأحوال أفضل من الإنجليز الذين علموا العالم كله كرة القدم دون أن يصبحوا من القوى الكبرى، فلم يفوزوا مطلقًا بأمم أوروبا، وفازوا بالمونديال مرة وحيدة على أرضهم بانتصار طالته شكوك واتهامات كثيرة.. وأفضل من الفرنسيين الذين أسسوا الاتحاد الدولى لكرة القدم واخترعوا المونديال وانتظروا 68 سنة ليفوزوا به.. وكل هؤلاء لا يمكن مقارنتهم بمدينة شيفيلد الإنجليزية، التى كتب عنها رورى سميث فى نيويورك تايمز منذ أيام.. وكانت سطور تفيض بالأسى والإحساس بالظلم.. فمدينة شيفيلد- كما يعرفها العالم- هى مدينة فى وسط إنجلترا جنوب يوركشاير.
إحدى كبرى المدن الإنجليزية، وهى الأغنى أيضًا بعد لندن.. وكانت عاصمة لصناعة الصلب، حتى إنها اكتسبت لقب المدينة الفولاذية.. واشتهرت شيفيلد بجامعاتها وحدائقها وحياتها الهادئة والآمنة.. لكن شيفيلد التى كتب عنها سميث هى المدينة التى اخترعت كرة القدم.. ففى شوارع شيفيلد كانت المرة الأولى التى يلعب فيها الناس كرة القدم.. وامتلكت المدينة فى 24 أكتوبر 1857 أول ناد فى التاريخ لكرة القدم، هو شيفيلد إف سى.. وأصبح هذا النادى هو البداية والنموذج الذى اقتدى به آخرون كثيرون لتأسيس أندية جديدة لكرة القدم، سواء فى إنجلترا أو خارجها.. ومع تأسيس هذا النادى قام السير ناثانيل كريزيك وويليام برست بوضع أول قانون لكرة القدم قبل تأسيس الاتحاد الإنجليزى نفسه..
ومثلما كان نادى شيفيلد هو الأساس والبداية لكل أندية العالم.. كان قانون شيفيلد لكرة القدم هو أيضًا الأساس الذى استند إليه الجميع وهم يضعون نظام اللعبة وقوانينها ولوائحها بشكلها الحالى كما نعرفه اليوم.. ولم تكتف شيفيلد بذلك، إنما كانت أيضًا المدينة التى شهدت فى 26 ديسمبر 1860 أول مباراة كرة حقيقية فى التاريخ بين نادى شيفيلد إف سى ونادى هالام، وأقيمت فى استاد ساندى جيت، الذى هو أيضا أول ملعب رسمى لكرة القدم فى التاريخ.. وبالتالى لم يكن رورى سميث يبالغ حين وصف شيفيلد بأنها مدينة كرة القدم التى لولاها ربما لم يعرف العالم هذه اللعبة التى وقع فى غرامها وأغوته بسحرها وجنونها.. ويسهل فهم سر الحزن والغضب حين نعرف أن النادى الأول يلعب الآن فى الدرجة الثامنة للدورى الإنجليزى.
نقلا عن المصرى اليوم