كتب - محرر الاقباط متحدون
وجه نيافة الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث باسم الكنيسة في مصر، رسالة بعنوان "الكنيسة الأرثوذكسية هي كنيسة كاثوليكية وإنجيليّة ومشيَخِيَة"، وجاء بنصها :
"كاثوليكية الكنيسة الأرثوذكسية":
لفظة أو مصطلح "كاثوليكية" في اللغة اليونانية هي "καθολική"، كما وردت في النص اليوناني لقانون الإيمان المسيحي النيقاوي- القسطنطيني، أو دستور الإيمان المسيحي النيقاوي- القسطنطيني. وترجمت هذه الكلمة اليونانية إلى اللغة العربية بمعنى "جامعة". وهي تشير إلى عالميتها وجامعيتها بجمعها كل الكنائس التي في الإيمان الأرثوذكسي الواحد.
ورسوليتها كما ورد في قانون الإيمان، أنها مؤسسة على الإيمان المُسلم من الرسل القديسين وخلفائهم من الأباء الرسوليين القديسين أباء المجامع المسكونية السبع؛ ولأن عملها هو عمل رسولي.
"إنجيلية الكنيسة الأرثوذكسية":
لقب "إنجيلية" هو لقب الكنيسة الأرثوذكسية، أنها قائم على قول يسوع المسيح: "توبوا وآمنوا بالإنجيل" (مرقص 15:1)، وتعمل على تحقيق قول يسوع: "إذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقص 15:16). ورسالتها هي إنجيلية بنشر الإنجيل (εὐαγγέλιον) البشارة المفرحة، أو بشارة الخلاص، في كل العالم. وهي أيضًا إنجيلية لأنها تحفظ وتعمل بكل ما علمه وعمله يسوع المسيح، المذكور في الإنجيل المقدس. كما أنها تحفظ الإنجيل المقدس بشكل دائم في الكنيسة على المائدة المقدسة، خلال إقامة الخدمات والصلوات الكنائسية وعدم إقامتها، دلالة على إنجليتها.
"مشيَخِيَة الكنيسة الأرثوذكسية":
تقوم مشيخية الكنيسة الأرثوذكسية على ما أوصى وعمل به الرسل أنفسهم بإقامة "شيوخ" (باليونانية πρεσβυτέρους = برِسفيتِروس) للخدم المقدسة، وذلك لتحقيق ما أوصى به الرب يسوع المسيح بإقامة الذبيحة الإلهية غير الدموية (كسر الخبز وشركة دم المسيح) وخدمة باقي الأسرار المقدسة (الشرطونية الكهنوتية بوضع الأيدي، المعمودية، المسح بالزيت المقدس، الصلاة على المرضى، غفران الخطايا، وغيرهم) وخدمة الكلمة بالوعظ والكرازة. مثال على ذلك:
فبولس وبرنابا في لِسْتْرَةَ "انْتَخَبَا لَهُمْ (لأهلها) شُيُوخًا (πρεσβυτέρους) فِي كُلِّ كَنِيسَةٍ، ثُمَّ صَلَّيَا بِأَصْوَامٍ وَاسْتَوْدَعَاهُمْ لِلرَّبِّ الَّذِي كَانُوا قَدْ آمَنُوا بِهِ" (أعمال 23:14).
وكتب بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس، بقوله: "لاَ تُهْمِلِ الْمَوْهِبَةَ الَّتِي فِيكَ، الْمُعْطَاةَ لَكَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ وَضْعِ أَيْدِي الْمَشْيَخَةِ (τοῦ πρεσβυτερίου = تو برِسفيتِريو)" (ا تيمو 14:4).
كذلك كتب بولس الرسول إلى تيطس، بقوله: "مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا (πρεσβυτέρους) كَمَا أَوْصَيْتُكَ" (تيطس 5:1).
في الترجمة العربية البروتستانتية للإنجيل ترجمت الكلمة اليونانية "πρεσβυτέρους" بمعنيَيْنِ هما: "قسوس" كما ورد في (أعمال 23:14)، و"شيوخ" كما ورد في (تيطس 5:1)، مع أن مصدر الكلمة واحد وهو "πρεσβύτης" بمعنى "شيخ".
كما أن آباء الكنيسة الأرثوذكسية عملوا بما عمل به بولس وبرنابا (أعمال 23:14) وبما أوصى به بولس الرسول كل من تيموثاوس (ا تيمو 14:4) وتيطس (تيطس 5:1) بإقامة "شيوخ (πρεσβύτερος)". فالقديس إغناطيوس الأنطاكي (+ 68م) وهو واحد من آباء الكنيسة في القرن الأول، كان واحد من تلاميذ الرسولين القديس بطرس ويوحنا الرسول، كتب مؤكدًا للكنيسة التي في أفسس من أعمال أسيا على أن التسلسل الكنسي هو الضامن للنظام الكنسي. فيجب على العلمانيين أن يخضعوا للشمامسة، والشمامسة للشيوخ، والشيوخ للأسقف، والأسقف للمسيح كما هو للآب:
«عليكم أن تكونوا برأي واحد مع أسقفكم، الشيء الذي تفعلونه، إن "مشيختكم (σου πρεσβυτερίου) المحترمة" جديرة بالله ومرتبطة مع "أسقفها" ارتباط الأوتار بالقيثارة، لذلك بتناسقكم وباتفاق المحبة بيسوع المسيح يرتفع المديح والتمجيد ليدخل كل واحد منكم في هذا الجوق لكي تتوحد نغماتكم فتأخذون طابعًا إلهيًا وترتلون بصوت واحد بيسوع المسيح المدائح للآب الذي سيسمعكم ويعرفكم من أعمالكم الصالحة أنكم أعضاء في ابنه. من المفيد أن تكونوا في وحدة لا تشوبها شائبة حتى تكونوا في وحدة دائمة مع الله».
وفي مكان آخر يربط القديس إغناطيوس وحدة المؤمنين حول الأسقف والشيوخ بالإفخارستيا: «أنتم بدون أسقف وشيوخ لا تفعلوا شيئًا لا تغتروا أنتم أنفسكم تبدون عقلاء، بالإضافة إلى هذا: صلاة واحدة، تضرع واحد، في الفكر، رجاء واحد في المحبة، في فرح بدون شائبة، الذي هو يسوع المسيح، عليكم أن تحيوا هذا. أنتم جميعًا مجتمعون في هيكل الله واحد، إلى مذبح واحد، إلى يسوع المسيح الواحد، الذي جاء من آب واحد وهما كائن واحد ومنفصلين». (Ιγνατίου Αντιοχείας, Προς Σμυρναίους, PG 5, 853 182 Ιγνατίου Αντιοχείας, Προς Μαγνησίους, PG 5, 765 56 )
فيما بعد تبنت الكنيسة الأرثوذكسية لمن شُرطنوا بوضع اليد عليهم الكلمة اليونانية "ἱερεῖς = أُو إيريس"، التي معناها "كهنة"، عن أن يسوع المسيح هو "رئيس الكهنة" (o ἀρχιερέα = أُو أرخيإرِيا). وأن كهنوتهم هو "كهنوت ملوكي" (βασίλειον ἱεράτευμα) مستمد من يسوع المسيح رئيس الكهنة، كما يقول بولس الرسول عن يسوع المسيح: "وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ فَهُوَ أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ (ἀρχιερέα = أرخيإرِيا) مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ" (عبرانيين 1:8). وعن كهنوت هؤلاء الكهنة وخدمتهم المقدسة يقول بطرس الرسول: "كَهَنُوتًا (ἱεράτευμα) مُقَدَّسًا، لِتَقْدِيمِ ذَبَائِحَ رُوحِيَّةٍ مَقْبُولَةٍ عِنْدَ اللهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (1 بطرس 5:2).
مما سبق ذكره، بالقول عن الكنيسة الأورثوذكسية أنها كنيسة مشيخية، فهذا يشير إلى أنها الكنيسة العتيقة، كنيسة القرون الأولى. فمشيخية الكنيسة الأرثوذكسية لا تتطابق مع المشيخية البروتستانتية؛ لأن البروتستانتية خالية من أي تسلسل رسولي يجمعها بكنيسة القرون الأولى (كنيسة العهد الجديد) عبر العصور، ولا يوجد فيها تسليم رسولي، وتأتي مشيخيتها من تسمية قدامى وعاظها بالشيوخ؛ لأنها وُجِدَت في القرن السادس عشر ومؤسسها راهب ليس إكليريكي مُشرطن بوضع اليد. بالتالي لا يوجد فيها كهنوت الملوكي، لذلك هي لا تعترف بالأسرار الكنائسية المقدسة بشكل عام القائمة على الكهنوت الملوكي. وقد أقامت لاحقًا مبشّرون ووعاظ ومفروزون لخدمة الكلمة، وهؤلاء جميعهم تنقصهم نعمة الكهنوت التي انتقلت وتنتقل بوضع الأيدي عبر شرطونيات كهنوتية شرعية بدأت من يوم العنصرة وحتى يومنا الحالي.