القمص اثناسيوس فهمي جورج
 حينما نذكر سيرته العطرة αναστροφή ؛ إنما نعيِّد ونكمل بشكل خاص ذكرى المعلمين اللابسي الروح الذين حفظوا ايمان وصبر يسوع .  فكلهم تكلموا روحيًا بفمه الطاهر . وُلد ساويروس الانطاكي  سنة ٤٥٩ م في أسيا الصغرى وسُمي بإسم جده لأبيه ، وقد درس الأدبين اليوناني واللاتيني في المدينة العظمى الأسكندرية مع شقيقيه الأكبرين، وكان له زميل فاضل يُدعى زكريا الفصيح ؛ وهو الذي أسهم في قيادته روحيًا حتى نال صبغة المعمودية المقدسة βαπτιστης .

كان ساويرس رجلا  " له جسد ضعيف وشخصية لطيفة " وحينما كان يقوم بعمل اخوته في الدير ، كان الدم يسيل من يديه ، اذ كان رقيقا وناسكا ، معتادا علي الاقتصاد في امور حياته  . تاهل للعمل كمحام  و درس وعشق تعليم الاباء  "أثناسيوس السكندري وباسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي "  ؛ وأيضًا مصنفات السميين الثلاثة غريغوريوس؛ والذهبي الفم وكيرلس الكبير الحكيم، وكانت أقوالهم وكتاباتهم موضع دراسته وتأملات شبابه ؛ معتبرًا أن تعليمهم كنهر ؛ مَن لا يشرب منه لا ينتفع ، ممتدحًا إياهم ؛ لأنهم لم يكتفوا بالكلام بل بالجراءة والعمل؛ وأظهروا رغبتهم في الاستشهاد؛ وما كانوا متعلقين بكراسيهم؛ لكنهم غاروا غيرة عظيمة وغربوا عن العالم ليشرقوا في المسيح شمس البر.

سافر إلى مدينة طرابلس ببيروت سنة ٤٨٨ م ليدرس البلاغة والشرع ومصنفات علماءالكنيسة الأُوَل ، فقادته النعمة الإلهية إلى دعوة حياة الرهبنة ولبس الإسكيم .. .. فكتب رسالة في الإيمان إلى رؤساء الأديار حول طبيعة المسيح الكريستولوجية (طبيعة واحدة للكلمة المتجسد) ؛  " ميا فيسيس تو ثيو لوغو سيساركوميني  " μια φύσις του Θεού λογου σξσαρκωμενη   - ودافع عن الإيمان السليم ؛ مستحضرًا النسخ الأصلية لمقالات ورسائل كيرلس السكندري، ثم ألف كتابًا أسماه  " فيلا ليثيس "  philalethes  (محب الحق) ؛ قدم فيه السياق الحقيقي لكلام وعبارت القديس كيرلس المقتبسة ، من رؤيته لاتحاد الطبيعيتين في التجسد  ( المفهوم الكيرلسي الساويري للاتحاد )  .  دفاعًا عن ايمان  كيرلس الاول  الحكيم قبالة الخلقيدونيين؛ ودحض طومس لاون ؛ ناسجًا على منوال آباء كنيسة الأسكندرية (أثناسيوس وكيرلس وديسقوروس) ، الذين ابرزهم الله ليكونوا منظرا θεατρον  للعالم من أجل ايمان سليم . عاش ابا مدققا بشكل واع جدا للتقليد وحافظا للوديعة .. ولم تكن ادانته لخلقيدونية تعصبا لكنها من اجل التمسك بالتخم القديم ، وهذا واضح من اعتداله الرعوي ومهارته في التعامل مع العائدين ، وايضا في ثباته شهادته طويلة الامد التي قدمها بقطرات النفي والاستبعاد علي مدي السنين الطوال .

رُسم كاهنًا سنة ٥٠٨ م وكانت خدمته الكهنوتية التي عاشها ورآها وكتب عنها عبارة عن : الاستعداد والتقديس أولاً ،  ثم التعليم  ، ثم التدبير ؛ من أجل عمل خدمة بناء كنيسة  جسد المسيح... كان  هادئ الطبع ؛ دقيق الفكر ؛ متفوق في التعليم  ؛ ودرس الفلسفة واستعملها استعمالاً حسنًا كسلاح خاص، وقد رفعته النعمة وقادته عبر شروحات الكتب المقدسة وممارسة العبادة  الليتورجية، واضطلع على علوم الوعظ ومعرفة التفسير الكتابي؛ واستعمل الشرح في  تعليم  اللاهوت... فجاءت عظاته شرحًا لآيات الكتب المقدسة ولتفسير المشاهد الإنجيلية، متتلمذًا على الحُجج الآبائية التي تعلّم منها الفلسفة العالية الحقيقية والعملية  ، مميزًا للتعليم السليم داحضًا شر الهراطقة ؛ لأن الحق يجتذب إليه الذين يستحقونه كما يجتذب المغناطيس الحديد ، وقد تضمنت مجموعة الباترولوجيا الشرقية (Patrologia Oriantalis)  فكره وسيرته النابعة من الكنيسة المؤسسة على صخرة الإيمان العقلي للكلمة الإلهي . علي قاعدة " مالم يؤخذ لا يمكن ان يشفي   το γαρ απροσληπτον αθεραπευτον

عاش مسيرة رسالته الكهنوتية كبناء حكيم αρχιτεκτον في ثلاث محطات ١-  الاستعداد والتقديس ثم ٢-  التعليم ثم ٣-  التدبير، فكان استعداده في الانطلاق للرعاية على مثال موسى النبي ويوحنا المعمدان وصموئيل النبي  وشخصيات الكتاب المقدس؛ وبالأخص الرسولين بطرس وبولس، كذلك كشف عن حقيقة وجه الكاهن وعمله ،  بأنه مكلَّف بواجب تعليم الشعب وتدبيره وتعزيته (عَزّوا عَزُوا شعبي)؛ فيكون للكاهن سمع مرهف و دقيق  يستند الي حاسة روحية بواسطة التنقية والنسك؛ كي يدرك الرؤى التي تأتي من الله؛ حتى يشهد ويتكلم (آمنتُ لذلك تكلمتُ) وعندئذ تدخل الكلمة إلى قلب أورشليم لتلامس السامعين وتعبر إلى داخل نفوسهم ، لتاتي ثمارها بعمل النعمة الإلهية المقدسة .

تم انتخابه بطريركًا لأنطاكية في مجمع صُور سنة ٥۱۲ م لكنه حاول الإفلات دون جدوى؛ حيث اقتبل رتبة البطريركية السامية؛ ليكون خليفة للقديس بطرس الرسول؛ فرعى رعية الله بأمانة وبر، وفي سنة ٥۱٨ م ثار اضطهاد عنيف على الأرثوذكسيين؛ حيث تم نفي الأساقفة الذين لا يقرون المجمع الخلقيدوني... إلى الحد الذي وصل لإصدار أمر بقطع لسان ساويروس الأنطاكي، فصار هائمًا على وجهه يبحث له عن ملجأ يواريه عن أبصار المضطهِدين؛ لذلك  ابحر  إلى مصر واستقر فيها مدة عشرين سنة ؛ وتنيح سنة ٥۳٨ م في مدينة سخا ؛ ونال الجائزة السماوية το βραβείων   ، ثم نقلوه بإكرام جزيل ليُدفن حيث كان يعيش في دير الزجاج (غرب الأسكندرية). وتعيِّد له الكنيسة القبطية في ۲ بابة لتذكار مجيئه إلى مصر؛ وفي ۱٤ أمشير لتذكار نياحته؛ وفي ۱٠ كيهك لتذكار نقل جسده إلى دير الزجاج.. إن اسمه عظيم لأنه خدم القدوس العجيب في قديسيه الذي لعظمته المجد والإكرام والسجود.