حمدى رزق

 فى وصف مذكرة مصر أمام محكمة العدل الدولية، يمكن القول باطمئنان إنها جهد وطنى قانونى محترم وكفؤ وأمين على القضية الفلسطينية، متسق مع الموقف السياسى الوطنى الذى جرى التعبير عنه بامتياز فى حدود الفسحة الزمنية الممنوحة (30 دقيقة). جدارة الدكتورة ياسمين موسى، ممثلة مصر أمام المحكمة، كانت لافتة، مسموعة ومفهومة وواضحة ومقدرة، وجه مشرف للدبلوماسية المصرية، مصر تُحسن اختيار سفرائها إلى العالم.

وفى الموضوع، قطعت المذكرة المصرية قول كل خطيب مزايد يزايد على نصاعة الموقف المصرى العادل والنزيه من حرب غزة، نصًّا من كلمة مصر: «إسرائيل تمنع وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، والتخطيط لاقتحام رفح، التى يسكنها أكثر من مليون و300 ألف فلسطينى».
 
الورقة المصرية (المذكرة) أمام المحكمة اتسمت بالرصانة القانونية، بكلمات موزونة على ميزان القانون الدولى، بأسباب واضحة لا لبس فيها، خلو من الكلمات الزاعقة، المطاطة، الملتبسة، كل حرف فى مكانه الصحيح، وكل جملة مسندة إلى قاعدة قانونية مستقرة، وكل مطلب يوافق ما اصطُلح عليه عالميًّا فى ميثاق الأمم المتحدة. رصانة المذكرة، التى صيغت بعناية فائقة وروجعت على ثقات مصريين معتبرين، عبرت بجلاء عن موقف مصرى ثابت من رفض ممارسات الاحتلال الإسرائيلى فى الأرض المحتلة، سواء فى الضفة أو غزة أو القدس بمقدساتها الإسلامية والمسيحية. مصر لفّت عنق إسرائيل بجملة اتهامات مشفوعة بأدلة يقينية، وممارسات واقعية على الأرض، ولفتت العالم إلى بشاعة الاحتلال، وارتكابه جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية مجافاة للقانون الدولى. ما يلفت التركيز المصرى ليس على حرب غزة فحسب، ولكن على القضية الفلسطينية التى تمر بمنعطف خطير يستهدف تصفيتها كلية، بممارسات مؤسَّسية إسرائيلية ممنهجة لاستدامة الاحتلال والتوسع الاستيطانى فى الأراضى الفلسطينية المحررة عبر المستوطنات غير الشرعية.
 
.. ما يُحمل سلطة الاحتلال كامل المسؤولية عن تغيير الواقع فى الأراضى الفلسطينية. نصًّا من المذكرة المصرية: «فلسطين تعرضت لأطول احتلال فى تاريخ البشرية، التدمير الذى تقوم به إسرائيل فى غزة، وفرض حصار لمنع الفلسطينيين من حقوقهم، يُظهر مدى الانتهاكات التى تقوم بها إسرائيل، وهى إجراءات غير شرعية وخاطئة، يجب أن يتم وضع حد لها، وتتوقف الآن، فالفلسطينيون يواجهون عقابًا جماعيًّا على مدار 75 عامًا. إسرائيل تسمح بعنف المستوطنين ضد الشعب الفلسطينى، فضلًا عن التوسعات فى المستوطنات. عمليات الاستيطان المستمرة من جانب إسرائيل تقوض أسس حل الدولتين والسلام فى المنطقة، كاشفة عن أن عدد المستوطنين وصل الآن إلى 750 ألفًا، مما يغير بشكل متعمد طبيعة الأراضى الفلسطينية المحتلة». خطوط الخطاب المصرى كانت لافتة، إسرائيل تُعيد قطاع غزة إلى العصور الوسطى، وهذا نصًّا من تصريحات مجرمى الحرب فى تل أبيب، وتستخدم أساليب تعود إلى عصور ما قبل القانون الدولى، ممارسات بربرية تسحق البشر والحجر تحت وطأة احتلال غاصب غاشم لا يرعوى لقانون دولى ولا إنسانى.
 
وحمّلت مصر الأمم المتحدة عبر محكمة العدل مسؤوليتها تجاه وقف الممارسات الإسرائيلية الإجرائية المستدامة فى حق الشعب الفلسطينى، وأشارت إلى ضرورة وقف الدعم الذى تقدمه بعض الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة وفى مجلس الأمن لاستدامة إبادة الشعب الفلسطينى وتهجيره من أرضه. الدكتورة ياسمين كانت لغتها لافتة وملهمة عندما تساءلت: «إلى متى ستستمر الأمم المتحدة فى التعامل مع عواقب الانتهاكات الإسرائيلية دون معالجة الأسباب الجذرية؟».
نقلا عن المصرى اليوم