بقلم:  شريف البدرى
نحاور أنفسنا فتدلنا على مافيها من مكامن النور والظلمة إنها حلو الطبائع ومرها .نحن دون عناد نتصالح مع أنفسنا ؛نتقبل ما فيهامن خير وننميه ونتربص للشر ونخفيه ؛لننعم بنفس مطمئنة  وسلام داخلى .

ندرك اننا لانصنع أنفسنا عند الميلاد بل نحن إرث الآباء والأجداد  فى دمائنا وطبائعنا حتى فى قسمات الوجه ونبرات الصوت ، من قلب بيئتنا خلقنا ننطق بلسانها ونتعلم ونفكر بوحى منها ....

وهنا التاريخ شاهد على أمم تولد وأمم تموت ،يسجل التاريخ أن أمم عاشت تبعث ثاراتها من مدافن ماضيها وتلهب النار فى أحقاد حاضرها فتأكل بعضها بعضا جيلا بعد جيل حتى تفنى .

إن تاريخنا هو نفسه ذواتنا بما فيها من الخير والشر ،لسنا في حاجه للمدينة الفاضلة ولا نريد لأوطننا أن تكون مدينة الأشرار .

للأمة المصرية كنز ثمين من التاريخ ،تاريخها طويل عريق عبر الزمن يزخر بالعبر والحوادث حتى يكاد أن يكون تاريخا للإنسانية منذ مهدها ، ولها شخصيتها العجيبة التى تفردت بها بين الأمم فهذا المصري امتدت أقدامه فى الأرض ورسخت كالجبال ؛لا تسقطه نكبه يتكيف حينا ويخضع حينا أخرى ويتمرد بين الحين والحين .

لكنه منذ فجر التاريخ لا يقبل الذوبان ويأبى الاختفاء ولا يعرف للعزلة سبيلا .

فما بال أناس من قومنا قد ظنوا أننا نخجل من تاريخنا لو أن بعض صفحاته مآخذ أو نقائص فصاروا محترفى  تجميل يصيغون التاريخ صياغة أدبية ويسقطون مضمونه .
فهل تقدمت أمة ونهضت إلا بعد أن تعثرت وسقطت؟
ثم كيف نبرز الزعماء والمصلحين إذا لم يكن بارزا بالضد المخطئين والمفسدين ؟
وما بال أناس من قومنا قد أنكروا وتنكروا لمآثر  من تاريخ أمتنا لهوى في نفوسهم فحادوا عن الحقيقة وانحرفوا عن منهج البحث التاريخي.

وبين هؤلاء وهؤلاء نشأت أجيال أصابها العقم التاريخي لا تعي أن النقائص هي جزء  من طبائع الشعوب وأن النكبات والهزائم هى فترات حتميه تمر بها كل أمة مهما علا شأنها .

إن المبالغة فى محاسن الشعوب وانتصاراتها ونسج بطولات من الخيال هو تأصيل لشخصية ضعيفة تتلاعب بها رياح الرياء والمصلحة والهوى فتسقطها أهون المحن .

وها هي اوربا تمزقت بين حربين عالميتين وحروب دينية طويلة لكنها وإن تألمت داوت جراحها فتصالحت وصالحت تاريخها وكان لها ما كان ؛ كذا الولايات المتحدة عند نشأتها نشبت الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب إلى أن خرجت منها صلبة تسود العالم .

تمر العهود ويموت الثأر فتتصالح الأمم وتتقارب المذاهب والفلسفات لخدمة البشر فبين الأبيض والأسود الكثير من السبل .

ألم يأن لنا أن نقيم مدرسة في التاريخ تشق طريقنا الجديد وتبعث حركتنا التاريخية وتطهر الدماء الفاسدة  ،تكتب وتفسر بصدق وعمق وموضوعية ولا تقتصر نظرتها على التفسير التاريخي أو المادي أو الديني أو الاجتماعى .

لابد أن نقرأ لأبنائنا ونناقش في ساحات التدريس انكساراتنا قبل انتصاراتنا فلا تتكرر .

لا نريد من طلاب المدارس أن يرددوا بنغمات راقصة أسماء الملوك والزعماء وأعمالهم قبل أن يفهموا جيدا فلسفة أعمالهم .

لابد أن نكتب بصدق ونقرأ بصدق ونفسر بصدق والتاريخ شاهد  على الجميع ......ذاك هو سر بقاء الأوطان. !!!!!!!