*(من قديسي ايبارشية مغاغة والعدوة)
  (  ١٨٤٧- ١٩٢٣ م)
 
 إعداد الشماس / أمجد سمير شفيق حنا 
 معهد الدراسات القبطية
         
1- نشأته :
ولد هذا القديس ببلدة أشنين النصارى ، التي تبعد حوالي 9 كيلو متر جنوب غرب مغاغة(إحدي محطات رحلة العائلة المقدسة) ، محافظة المنيا سنة ١٨٤٧م ، ١٥٦٣ ش . من أبوين فاضلين وكان أسم أبيه( كيرلس كما ذكر ابن عمه) ولحبه للأنبا إبرام معلمه ، أتخذ أسم أبيه غبريال ، واسم والدته أم العز (كما ذكر ابن عمه  توفى والده عندما كان عمر القديس في الثانية عشر من عمره .ولكن القديس كتب في احدي المخطوطات ميخاييل غبريال ..البحيري لقب لانه من بحري دير المحرق وكتب انه من الوجه اليحري وليس له علاقة بمحافظة البحيرة كما يدعي البعض فموقع قرية إشنين النصاري بحري (شمال ديرالمحرق) ولقب عائلته ليس عائلة (البحراوية ) ومايثبت مسقط رأسه أشنين (روي لنا المتنيح الارخن الشماس حنالله نادي ملطي المجاور ل منزل القديس في منطقة البوابة أنه ذهب  أقارب القديس لزيارته في دير المحرق فقدم لهم واجب الضيافة واعطاهم كما يعطي لزواره وكانوا يريدون اكثر  ).
 
* رؤياه للكاروبيم :
 ولما كان ضعيف الجسم أشفقت عليه أمه وأخذته إلى سطح منزل أحد الأقارب وإذا به يرى روح أبيه المنتقل  صاعدة وحولها الملائكة فرحين فناداه يا أبى يا أبى فقالت له الملائكة ( أطلب لكي تكون أخرتك مثل أخرته ) .
وبعد ذلك توفيت والدته وهو في سن السادسة عشر من عمره وكان يدرب نفسه على الرهبنة التي رآها متجسدة في شخص الراهب الوقور القمص تاوضروس المحرقى . الذى كان يتردد على البلدة يحب الجلوس إليه ليسمع منه عن سير الرهبان ، والحياة الرهبانية الملائكية حتى عزم على ترك العالم ، فطلب منه القمص تاوضروس المحرقى أن يستشير أب اعترافه )المرجح أنه القمص يوحنا القمص غبريال ، كاهن البيعة في ذلك الوقت) . وقد أظهر الله مباركته لهذا العمل ، حيث أستطاع أن يخضع له ضبعتين مفترستين كانتا تقطنان في الجهة الشرقية للبلدة .
 
2- رهبنته :
بارك أب اعترافه طريقه إلى الدير ، وهو في سن العشرين إلى دير المحرق . وذلك كان في زمان رئاسة القمص بولس غبريال الدلجاوى ( الأنبا إبرام الأول أسقف الفيوم والجيزة ) . فصار له تلميذاً وظل تحت الاختبار لمدة عام ونصف ، بعدها تمت رسامته ضمن أربعين راهب ، تمت رسامتهم في بحر أسبوع واحد ( ٢٢ فى أول الأسبوع ، و١٨ فى نهايةاﻻسبوع ) وتمت معهم رسامة ثمانية قسوس . ورسم بنفس اسمه فى الميلاد ميخائيل (من مثل الله) وكان أب اعترافه راهب قديس هو القمص صليب العلوانى المحرقى ، وكان ذلك سنة 1867م .
 
3- أعماله بالدير :
كان يقوم الراهب ميخائيل بتجليد الكتب القديمة ، وبتجليد الكتب للشعب ويتصدق مما يأخذه للفقراء والمساكين كمعلمه أنبا إبرام ويقال إنه كان لا يجلد كتاب إلا بعد قراءته فكان واسع الإطلاع موسوعة لاهوتية كنسية . وكان يقوم بتنظيف الكنائس وتجهيزها للصلاة وكان يوزع جميع النذور التي ترد لذمته على الفقراء والمساكين وغرس بستانا في الدير وأعتني به.
 
4- رسامته قساً :
لقد قدمه أب اعترافه ليرسم قساً ، بيد الأنبا أثناسيوس أسقف صنبو وقسقام فى سنة ١٨٧٤م ومع ذلك كان راهباً بسيطاً جداً متجرداً من الأمور العالمية وهذا هو سر عظمته .
 
5- محاربة الشيطان له :
عندما ظهرت فضائله بدأ الشيطان يحاربه وكانت من أقسى التجارب التي تعرض لها فى عام ١٨٧٠م بعد نياحة الأنبا ديمتريوس الثانى البطريرك (111) وطلبوا عزل وتولية الأنبا مرقس مطران البحيرة نائباً بطريركياً . توجه أحدى عشر راهب إلى البطريركية وطلبوا عزل القمص بولس غبريال الدلجاوى من رئاسة الدير ، وعكفوا لمدة ستة أشهر تقريباً على الانتقال بين مصر وأسيوط ساعيين لعزل المغبوط القمص بولس حتى نفذوا ما أرادوا بواسطة الحكومة بعد أن رأس الدير مدة أربع سنين و3 شهور وخرج معه تلاميذه الذين صاروا فيما بعد مطارنة وأساقفة منهم :
 
1- القمص اقلاديوس الميرى الأنبا بطرس مطران كرسي أسمره بالحبشة ( 1881- 1922 م ).
2- القمص سليمان الجاولى .
3- القمص ميخائيل المصري . 
4- القمص اقلاديوس الخالدى الأنبا متأوس لكرسي أديس أبابا بالحبشة (1881- 1926م ) .
وكان يريد الذهاب معهم القمص ميخائيل البحيرى ، لكن القمص بولس لم يوافق وأقنعه بالبقاء ليكون خميرة مباركة للدير ، وقال له :
 
( دعوه فى الدير ولا تحرموا المجمع من وجود رجال الله القديسين ، لئلا يكون محاطاً بالغضب الإلهي دعوه فإن هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا ، ويكون بركة فى هذا المكان )
ومر بضيقات كثيرة لأنه ابن مخلص للأنبا ابرم من سرقة قلايته . وأعطاه القمص صليب العلوانى ثوب من الصوف الخشن ليلبسه فى الشتاء والصيف وعندما زرع أبونا ميخائيل حديقة وقاموا باقتلاعها عند تنظيم المبانى قبل هذا الأمربشكر، وقال : أشكر إلهي الذى لم يسمح ببقاء هذا الذكر الأرضي ليجعلني أهتم بالأكثر ، بأن أحظى بالذكر الدائم فى السماء .
 
6- نسكياته ومواهبه :
كان القديس يصوم إلى الغروب يومياً ،وكان يخفى صومه ولا يتكلم عنه بل أنه إذا تصادف إن كان عند أحد الرهبان وقدم له شيء من الشراب أو الأكل يقبل اليسير منه لكي لا يعلن صومه.لم يأكل لحماً منذ أن ترهبن ولكنه كان يشرب  الشوربه فى أيام الإفطار والعدس أيام الصوم فى أيام شبابه لم يكن يتعدى طعامه الخبز اليابس والملح وكان يرفض أن يأكل نصيبه من اللحم ويطلب طيوراً وحتى هذه الطيور لم يأكلها .
 
ورث عن معلمه الأنبا إبرام حبه للكتاب المقدس وتعمقه فى دراسته والهذيذ فيه وحبه للعطاء . عندما رغب القمص عبد المسيح واصف ( الأنبا لوكاس) تلميذه أن يأخذ صورة للقديس لكي يزين بها كتابه رفض القديس رفضاً شديداً وقال: 
 
( لماذا هذا الاهتمام بتصويري ؟ وما الذى أعجبكم فى شكلى القبيح ؟ ماذا يوجد من المحاسن فى إنسان كفيف البصر قذر ؟)  فأقترح الزملاء مدخلاً آخر ، وكان التمرين على التصوير ووافق القديس على مضض أن تؤخذ له صورة فوتوغرافية .
 
 كان يحب الهدوء فلا يخرج خارج قلايته أثناء أعياد القديسين التي تقام فى الدير . كان له صوت جميل يترنم فى كل وقت وكان بعض زائريه يقفون بباب قلايته حتى ينتهي من تلاوة جزء من القداس بصوته الجميل
 
 كان يحرص على صنع الصلح والسلام ، بين رهبان الدير وأمتد إلى أن ينهى خصومات رهبان أديرة البراموس ودير الأنبا أنطونيوس .
كان له جاذبية ووقار فتقابل معه الرهبان اليسوعيين وشعروا برعدة تسرى فى أجسادهم 
 
وتقابل معه شاب ملحد وشعر بهيبته . كان دائماً يعزى نفسه عن فقد بصره ويقول ( إني أشكر الله على نعمته ، أن خطاياي الكثيرة هي سبب هذا فلتدركنى مراحم الله) .
 
أعطاه الله موهبة مؤانسة الوحوش فكان يأكل ويشرب مع ثعبان طوله حوالى مترين رآه تلميذه وبعد نياحة القمص ميخائيل حزن عليه الثعبان ومات خارج قلايته . 
 
كان من عادة أبونا ميخائيل عندما يحارب بالأفكار يخرج خارج أسوار الدير ويجلس على مصطبة فيسألوه لماذا تجلس هنا يا أبونا يقول : ( جاء لي فكر فخرجت خارج الأسوار ، لأخرجه وأعود للدير )
 
 صار القمص ميخائيل البحيرى من الآباء السواح ورأوه وهو يحيط الدير بالصلوات .
 
7- رسامته قمصاً :
رسم قمصاً بيد الأنبا باخوميوس الأول (1896- 1928م ) وكان من تلاميذ الأنبا إبرام وجعله أباً روحياً له ولآباء الدير.
 
 8- القمص ميخائيل البحيرى صاحب المعجزات :
لقد أجرى الله على يديه المباركتين الكثير من المعجزات فى حياته وبعد نياحته من إخراج الشياطين حتى شهدت له الشياطين فى أحدى المرات قائلين:
 ( النار النار ! ويل إن كان فى أرض مصر رجل آخر مثلك ولينا الأدبار هاربين من هذه الديار) 
 
. ولقد أقرت الشياطين مرة لأحد السحرة بأن صلوات القمص ميخائيل تحيط الدير بهالة نورانية أو طوق من نار لا تستطيع الشياطين أن تنفذ منه إليه . وكان القديس دائماً يخدم المرضى والمحتاجين والله ينظر إليهم بسبب تقواه وإتضاعه وتبارك الله على يديه وأعطى كثير من العواقر أولاداً وفرحن . 
* روشته أبونا ميخائيل : كان يعطى لأزواج العواقر روشتة عبارة عن منديل وصليب صغير يوضعان تحت ستر المذبح لحضور قداسين ويسلمهم الزوج لزوجته وبعد ذلك يرزقهما الله بالبنين .
 
9 -مقتطفات من أقواله :
له الكثير من الأقوال والتعاليم التي يحفظها أبناؤه وأحباؤه ومنها : 
 * القراءة فى الكتب الإلهية درب آخر للصلاة 
* الصوم للمؤمن فاتحة عهد سلام بين الروح والجسد . *المنتقم من أخيه غالب فى عيني نفسه وأعين الناس أما عند الله فمغلوب على أمره ذو صفقة خاسرة- 
* من يعمل الفضيلة ابتغاء المجد الباطل كفاعل بلا أجر 
* إذا كنت تريد راحة البال حافظ على شروط محبة الله ومحبة القريب .
 
10- استعداده للرحيل :
عندما كان ينتقل أحد الرهبان من هذه الدنيا الفانية يحضر صلاة مجمع الرهبان عليه ويبكى بدموع ويضع يده على التابوت ويقول مخاطباً الراهب المنتقل
 ( لقد استرحت من هذا العالم الفاني وعتقت من شقاوته وأخطاره وانطلقت إلى عالم التسبيح الخفي ذي البهجة السماوية وتركتنى هنا أقاسى آلام العالم ، وأصبح هدفاً لسهامه المريعة أذكرني أمام الرب لكي يسهل لي طريق أنطلاقى من هذا السجن الدنيوي المظلم قبل أن أغرق فى هموم العالم وأباطيله) .
 
11-نياحته :
بعد حياة حافلة بأعمال القداسة والعفة والزهد والرحمة وبعد أن عمل وعلم وصار عظيماً فى ملكوت السماوات ،
 رقد فى الرب فى يوم 23 فبراير 1923م الموافق 16 أمشير سنة 1639ش . وبذلك أكمل 76 سنة قضى منها عشرين سنة قبل الرهبنة و56 سنة بالدير إلى أن تنيح بسلام فى الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة من الأسبوع الثانى من الصوم الكبير ونقل جثمانه إلى الكنيسة وبات فيها إلى الساعة التاسعة من صباح السبت بعد انتهاء القداس الإلهي ، وقيل إن الآباء الرهبان لم يقووا على الصلاة عليه لأن كلاً منهم كان يغلبه البكاء والتأثر، ولا يستطيع أن يتمم الأوشية فيعطى المجمرة لآخر فيبدأ هذا الآخر ولا يقدر أن يكمل وكان وداعه حاراً وبكى وتأثر بفراقه الجميع . وقد دفنوه فى مقبرة الرؤساء تقديراً لشخصيته الكبيرة ومكانته السامية فى قلوب الجميع . 
 
*رؤية الراهب جبر مريم الحبشي :
لقد سمع أنغاماً وترانيم شجية تملأ الدير ، وقت نياحة القمص ميخائيل البحيرى ، حيث كان طريح الفراش فى ذلك الحين ورأى البعض فوق مقبرته نور عظيم بعد نياحته ،وذلك عقب الغروب .
 
12- اعتراف المجمع المقدس بقداسته :
أعترف المجمع المقدس بقداسته سنة 1963م فى أول اجتماع له برئاسة البابا المتنيح كيرلس السادس ،وبحضور الأنبا شنودة الذى كان أسقف التعليم فى ذلك الوقت . وأقترح الأنبا لوكاس مطران منفلوط(القمص عبد المسيح واصف المحرقي سابقا) تلميذ القمص ميخائيل البحيرى أن يضم إلى المجمع المقدس بصلاة القداس الالهى ، القديس الأنبا إبرام أسقف الفيوم والجيزة وتلميذه القديس القمص ميخائيل البحيرى والقديس الأنبا صرابامون أبو طرحة أسقف المنوفية فوافق الجميع بدون اعتراض .
 
13 - استخراج الرفات المقدسة من مقبرة رؤساء الدير :
بعد أن ظل جسده مدفوناً بمقبرة الرؤساء الكائنة أسفل معمودية كنيسة مار جرجس بالدير  ما يقرب من سبعين سنة ،أراد الله أن تشرق شمس القديس وسمحت العناية الإلهية فى عهد المتنيح مثلث الرحمات قداسة  البابا شنودة الثالث بأن يخرج الجسد فى احتفال مهيب حضرة حوالى ثلاثة عشر أسقف من الأحبار الأجلاء ونيافة الأنبا ساويرس رئيس دير المحرق العامر، وتم نقل الرفات إلى المقصورة الموجودة حالياً بصحن كنيسة مار جرجس بالدير فى يوم السبت الموافق 23 فبراير 1991م الموافق 16 أمشير 1707ش . كذلك تم نقل جزء من رفاته إلى مسقط رأسه بلدته أشنين النصارى ، تحت رعاية مثلث الرحمات  المتنيح الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف وبحضور الأنبا متاؤس رئيس دير السريان العامر ووضع فى أنبوبة داخل مقصورة أمام الهيكل المسمى باسمه وأظهر الله من جسده الكثير من المعجزات. وفى عام 2000م تم بناء كنيسة باسم القمص ميخائيل البحيرى فى مبنى الخدمات الموجود ببلدته أشنين النصارى ويقام له احتفال مهيب يحضره الكثير من محبيه تحت رعاية وحضور أسقف الإيبارشية .  بركة صلواته فلتكن معنا  ولربنا المجد الدائم أبديا أمين .
 
*أهم المراجع:
1- كتاب بلوغ المرام في حياة تلميذ الانبا ابرام 
2- السنكسار
3-مجلة الكرازة
4-كتاب دير المحرق المتنيح الانباغريغوريوس
5- كتاب المعلم والتلميذ القمص عبد المسيح شتا البر ماوي
6-كتب تاريخ الكنيسة إيريس حبيب المصري
*إعداد الشماس/أمجد سمير شفيق حنا 
معهد الدراسات القبطية
*رجاء محبة من يشارك المنشور يشاركه باسم كاتبه وذلك للامانة.