حمدى رزق

وأسفر البعض عن وجه قبيح، وما إن تم توقيع صفقة رأس الحكمة، ارتدى مسوح الحكماء، وطفق ينظر وينظر، وانتهى إلى سؤال لوذعى عويص: بكام المتر فى رأس الحكمة؟!.

 

وردّ عليه رجل الأعمال «نجيب ساويرس»: «سعر الأرض فى هذه المنطقة أعلى من السعر الذى اشترى به القطاع الخاص المصرى أراضى هناك، إحنا (عائلة ساويرس) عندنا أرض هناك سعر المتر اشتريناه أرخص».. فبهت الذى سأل!!. حديث الاستثمار يسرى، هرمنا، ونسمع من دهاقنة التحاليل الاقتصادية، الاستثمار عصب الاقتصاد، ومناخ الاستثمار، والاستثمار شغل الشطار، وسلخوا وجه الحكومة زمنا وعيروها لأنها عجزت عن جلب وجذب الاستثمارات، بل حمّلوها مسؤولية هروب المستثمرين!!.

 

وما إن أعلن رئيس الحكومة المهندس «مصطفى مدبولى» الصفقة الاستثمارية حتى انقلبوا على أعقابهم، انقلبوا فكهين، طلبوا الاستثمار ووجدوا صفقة من صنف فاخر، ومع هذا ما شكروا، يحقرون الصفقة حاسدين. ما ولاهم عن قبلتهم الاستثمارية، فى هذا يقال الكثير، ما هو خاص مزعج وما هو عام مؤلم، ظاهرة المنقلبين صحفيا وفضائيا وإلكترونيا تستأهل التوقف والتبين.

 

لماذا ينقلب البعض بين عشية وضحاها، تعوزنا الأسباب، وتحوطا لا نخوّن أحدا، بلى، ولكن ليطمئن قلبى، هل كانت المطالبة بفتح المجال للاستثمارات الأجنبية (والعربية منها) يقينية نابعة عن فكر اقتصادى قويم أم كانت وقتية مكايدة أو مداهنة موالية مخاتلة؟!.. الظاهرة ليست فى تقلب بعض الأقلام والأفواه من الموالاة لاقتصاد السوق إلى رفض سياسات وأفكار من هم فى الحكم، هذا طبيعى ويحدث، وهناك تفهم لهذا الحراك المجتمعى، لسنا عبيد السمع والطاعة، وليس مطلوبا منا تقبيل الأيدى شكرا.

 

ولكن تحول البعض من التأييد الكامل لأفكار الاستثمار إلى العداء السافر للصفقة الاستثمارية فى رأس الحكمة ليس من الحكمة فى شىء، التقلب الفجائى خليق بتبين الظاهرة والتوقف عند أسبابها.. التحولات لا تأتى هكذا إذ فجأة، وتقلب الوجوه لا يجرى هكذا بين عشية وضحاها. واجب الحيطة والحذر والتفرقة بين من هو منقلب على عقبيه منفلت اللسان، وبين معارض للاستثمار الأجنبى ثابت المواقف مستقيم اللسان، وحتى المعارضة الوطنية المعتبرة عليها واجب الحذر، فدون تبصر أو تحقق أو تدقيق من كنه الصفقة قد يحرف الموقف أقلاما وطنية عن قبلتها، وتصب فى نهر الإخوان المالح. الدولة المصرية بعد سنوات عجاف تعانى وليس فى هذا جديد، والكل يدرك حجم المعاناة، وحجم الخسائر التى منيت بها البلاد، والتدمير الذى لحق بالمؤسسات، والكلفة الرهيبة لإقامة عمد الأمن والأمان والاستقرار، وتجاوز مرحلة كتبت علينا.

 

 

وليس خافيا على عموم المصريين، حجم التحدى، وحساسية المرحلة، ومحاولة النهوض بعد سقوط فى براثن جماعة إرهابية كلفتنا ما لا نحتمل من خسارة، ولا تزال تتاجر فى الخسارة. الوطن فى ظل هذا الظرف العصيب فى شوق إلى كل حرف مغموس فى حبر الوطن، لا يحيد عن قبلته أبدا، وهناك مساحة يتجلى فيها المعارضون الوطنيون للسياسات الحكومية، يستحلها المنقلبون، ويبرزون كمعارضين وهم ألد الخصام. ما أخشاه هو ميل البعض للانقلاب والانحراف والانجراف وراء حماسة الفيس وتوتير وغيره، لإثبات معارضة، أو شجاعة، أو خروج عن السياق فى سباق لحصد إجابات أو لتسجيل قراءات أكثر لما يدونه فى سجله الإلكترونى، ويشيرها الإخوان والتابعون تشييرا كثيفا.. ربنا ما يوريك شر المؤيدين إذا انقلبوا، فجروا فى الخصومة!.

نقلا عن المصرى اليوم