ياسر أيوب
بعد إنهاء دراسته الجامعية.. افتتح هاروكى موراكامى مقهى وبارا صغيرا بالقرب من محطة كوكوبونجى فى طوكيو.. واضطر بعد ثلاث سنوات للبحث عن مكان آخر فكان مطعما وناديا للجاز فى وسط طوكيو بعد قروض كثيرة من مختلف البنوك.. واضطر للعمل الشاق ساعات طويلة كل يوم لتسديد الديون المتراكمة حتى بدأ يلتقط أنفاسه قليلا ويذهب لاستاد جينجو لمشاهدة مباريات البيسبول.. وفى أحد الأيام قرر هاروكى بدون أى مناسبة أو مقدمات أن يكتب رواية.. شاب فى الثالثة والثلاثين من عمره لم يسبق له أن حاول الكتابة أو الاهتمام بالأدب والكتب، وقرر فجأة أن يكتب رواية..
وكتبها بالفعل فىمائتى صفحة بخط يده وقدمها لمجلة جونزو التى نظمت مسابقة للأدباء الشبان.. ولم يحتفظ هاروكى حتى بنسخه من روايته لأنه كان يظن أنه لا يصلح للكتابة ولابد من البحث عن شكل آخر لحياة جديدة..
لكنه فوجئ بعد عدة أشهر بالمجلة تتصل به وتبلغه بفوز روايته بالجائزة ليبدأ هاروكى هذه الحياة الجديدة كاتبا وروائيا بعدما أغلق مطعمه الصغير.. وأصبح هاروكى من أشهر أدباء اليابان وتحقق رواياته أعلى المبيعات وتتم ترجمتها لأكثر من خمسين لغة وينال العديد من الجوائز.. الفارق الوحيد بين هاروكى ومعظم أدباء العالم أنه لم يكن من المهتمين بالرياضة قبل أن يأتيه النجاح والشهرة والمال.. لكنه بعد روايته الشهيرة بعنوان الخشب النرويجى التى بيع منها أكثر من مليونى نسخة..
قرر أن يجرى.. ليس مجرد نشاط ترفيهى أو محاولة للحفاظ على لياقته وصحته.. إنما قرر هاروكى أن يأخذ الأمر بجدية كما اعتاد ذلك طيلة حياته سواء كصاحب مطعم أو أديب أو عداء أيضا.. وإذا كان العالم قد عرف أدباء كبار أحبوا كرة القدم ومارسوها قبل شهرتهم مثل نجيب محفوظ وماركيز وإدوار سعيد وألبير كامى.. أو المصارعة مثل جون شتاينبك وجون إيرفينج والتنس مثل نابوكوف وديفيدفوستر دالاس والكريكيت مثل فيرجينيا وولف واللورد بايرون.. فإن هاروكى موراكامى هو الوحيد الذى لم يلتفت للرياضة إلا بعد نجاحه المحلى والعالمى كأديب وروائى.. ولم يتخذ هاروكى من الجرى هواية إنما قرر أن يصبح عداء حقيقيا واختار أصعب وأقسى وأطول سباقات الجرى أو الماراثون.. وشارك هاروكى رسميا فى أكثر من 26 سباق ماراثون.. ولم يكتف هاروكى بذلك إنما جمع بين الكتابة والجرى فى كتاب واحد جميل بعنوان «ما الذى أتحدث عنه حين أتحدث عن الجرى»، وفيه يطيل هاروكى الحديث عن العلاقة بين العقل والجسد.. وفلسفة الجرى وصفاء الذهن.. وما الذى كان يفكر فيه ويشعر به حين يكتب أو حين يجرى.
نقلا عن المصرى اليوم