سحر الجعارة

يأتى مشروع «رأس الحكمة» كأولى ثمار مشروعات البنية الأساسية وتنمية الطرق والمواصلات فى جميع أنحاء مصر، فالطبيعة الخلابة وحدها لا تكفى، صحيح أن «العلمين الجديدة» كانت درة تاج الساحل الشمالى، التى وُلدت عمالقة، لكنها اعتمدت بالأساس على المطور العقارى المصرى، وأضافت للدخل القومى من العملة الصعبة بعدد الليالى السياحية والسياح الذين جذبتهم.

 

لكن يظل الاستثمار الأجنبى هو الدليل الدامغ على استقرار مصر رغم ما يحيط بها من نزاعات مسلحة على الحدود.. وهو دليل أيضاً على نجاح السياسة النقدية والإصلاح الاقتصادى، رغم ما تمر به البلاد من أزمة اقتصادية.

 

وعقب توقيع اتفاقية الشراكة الاستثمارية الضخمة مع الإمارات لتطوير مدينة رأس الحكمة غربى الإسكندرية، فى واحدة من أكبر الصفقات التى تُسهم فى تعزيز السيولة الدولارية بالبلاد وتخفّف من أزمتها الاقتصادية، هبط سعر الدولار فى السوق الموازية نحو عشرة جنيهات (أثناء كتابة هذا المقال) وتوقفت المضاربة على الذهب ليهبط بسرعة جنونية، الأمر الذى يؤكد أن هناك جزءاً «مفتعلاً» فى هذه الأزمة.

 

وحسب تصريحات رئيس الوزراء المصرى مصطفى مدبولى، فإن المشروع يُعد أكبر صفقة استثمار مباشر فى تاريخ البلاد، وقال «مدبولى» إنه سيُدر على مصر 150 مليار دولار استثمارات سيضخها الجانب الإماراتى على مدار عمر المشروع.

 

وكشف «مدبولى» أن الصفقة تشمل ضخ الجانب الإماراتى استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 35 مليار دولار، خلال شهرين، على أن يكون لمصر 35 بالمائة من أرباح المشروع على مدار عمره.

 

وذُكر أن المشروع سيكون بالمشاركة بين هيئة المجتمعات العمرانية المصرية، وشركة أبوظبى التنموية القابضة (ADQ)، موضحاً أن المبلغ الذى سيتم سداده مقدماً يشمل 11 مليار دولار ودائع إماراتية فى البنك المركزى، سيتم التنازل عنها وتحويلها إلى الجنيه المصرى لاستثمارها فى المشروع، وهو ما يعنى إسقاطها من بند الديون الخارجية على مصر.

 

التقديرات المبدئية تشير إلى توفير نحو مليون فرصة عمل، هذا إلى جانب ما يحقّقه المشروع من انتعاش فى سوق مواد البناء والاستعانة بشركات المقاولات المصرية.

 

وتهدف «القابضة» (ADQ)، من خلال الاستفادة من محفظة شركاتها المتنوعة وشركائها، إلى تعزيز المميزات الجاذبة لرأس الحكمة كوجهة مالية وسياحية دولية متميزة تتبنّى أحدث حلول المدن الذكية الرقمية والتكنولوجية.

 

وستستفيد القابضة (ADQ) أيضاً من الشركاء المصريين والدوليين لدعم خططها التنموية والاستثمارية.

 

التنمية العمرانية المستدامة لا بد أن تكون لها «فلسفة» خاصة بكل منطقة، هذه الفلسفة مرتبطة بإمكانيات المكان جغرافياً وبطبيعة المجتمع، الذى يُحدّد فى النهاية نوع «النشاط الاقتصادى» المطلوب.

 

فالتنمية المستدامة تعمل على ترسيخ مجموعة من القِيَم والمفاهيم التى تسهم فى تطوير المجتمعات وتسعى لتحقيق الانتعاش الاقتصادى على نطاق واسع بشكل يتَّصِف بالقوة والاستدامة من الناحية الاجتماعية والبيئية بشرط تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال المستقبلية على تلبية حاجاتها.

 

سأُقدم مثالاً لتبسيط الفكرة، مدينتا شرم الشيخ والغردقة تم تكوينهما كمجتمع حاضن للشباب من الخريجين الجدد وتوفير وحدات سكنية مناسبة لدخلهم وفرص عمل وتوطينهم فيها (فى التعليم والطب والسياحة وجميع الأنشطة الإنسانية)، لتصبح تلك المدن جاذبة للسياحة الخارجية بالأساس وتوفير كل الأنشطة الشاطئية التى يحتاجها السائح الأجنبى على مدار العام.

 

وحسب كتاب «فلسفة التنمية المستدامة» الذى صدر عن دار نشر بوف الفرنسية، للكاتب الفرنسى «فرانك برياج»، فالمجتمعات التى تمر بأزمات اقتصادية يتحتّم عليها أن تتبنّى ركيزتين اثنتين: الأولى ترتبط بزيادة الإنتاج والثانية تختص بالاستثمار، وفقاً لأهداف وقِيَم تنموية داعمة لكل القطاعات.

 

على مواقع السوشيال ميديا انتفضت خلايا الإخوان ولجانهم الإلكترونية لتشكك فى المشروع، وتزعم أن مصر باعت أرضها، والحقيقة أنه لا بيع ولا حتى حق انتفاع، بل هو «استحواذ» حسب المنشور على وكالة الأنباء الإماراتية.

 

إن الشركة المستثمرة لن تخطف الأراضى المصرية وتنقلها خارج الحدود، وهذا أيضاً معمول به كنشاط استثمارى فى كل دول العالم: الفرق شاسع بين استحواذ مطور عقارى على مساحة محدّدة من الأرض لتنميتها بإدخال البنية التحتية اللازمة، وبناء مجتمع عمرانى يشمل المساكن والفنادق والمستشفيات والموانئ والمطارات وبين البيع.. والمتفق عليه فى مشروع رأس الحكمة أن تحصل مصر على 35% من أرباح المشروع طول العمر.. لكن الإخوان يصرون على تسميم ماء النهر بالأكاذيب والشائعات.

 

مصر الآن تلتقط أنفاسها، وتهيئ المجتمع ليجنى الشعب ثمار الإصلاح الاقتصادى الذي لا نزال نُسدد فاتورته.. إذا نجحت مصر فى جذب أكثر من مستثمر بالقيمة نفسها سوف تنجح فى سداد كل ديونها الخارجية والداخلية وتحقق طفرة اقتصادية هائلة.

نقلا عن الوطن