حمدى رزق

لم أسأل العم «صلاح دياب» عن شعوره يوم بلغ الثمانين، كثير من شيوخنا الأجلاء كتبوا عن بلوغ الستين، عتبة المعاش، وأطرفها ما كتبه طيب الذكر الأستاذ المبدع «يوسف الشريف» تحت عنوان «المعاشات عيلت» وكان من أطرف مقالاته الساخرة.

 

وكنت أتوقع أن يدون العم صلاح فى مكتوب هذه اللحظة الفارقة عمريًا، مشاعره وانفعالاته وخيالاته وأحلامه ومدركاته وأفكاره، يثبت الصورة لحظة على شاشة حياته، ويمسك بها قبل أن تمر أمام عينيه خاطفة، ويلخص ما يراه، رؤية رجل من القرن العشرين يعيش القرن الحادى والعشرين، قرنًا محلقًا فى الفضاء الإلكترونى لا يلامس أرضًا، ويخاصم واقعًا معيشًا.

 

لكنه بخل علينا، لم يفعلها، واكتفى بحفاوة الأصدقاء فى يوم ميلاده، ودفء الأسرة الصغيرة التى تستمد أسباب الحياة من نفس عميد العائلة الذى يتمتع بروح شابة فى جسد شيخ اشتعل رأسه شيبًا، ولكنه لايزال يحلم أحلامًا خضراء.

 

العم صلاح لم يفقد حماسته أبدًا للحياة، لايزال قادرًا على المناكفة والاشتباك فى الفضاء العام بأفكاره محلقة جرَّت بعضها عليه مشاق تحملها بأريحية المحب لوطنه.

 

صلاح دياب إن حكى، عن خبرة بالعم الطيب، لن يحدثك عن نجاحات حققها فى مشوار العمر عبر ثمانية عقود، منها ستة عقود أشغال شاقة، ولكنه سيأخذك من يدك إلى مراجعة الإخفاقات دروسًا لتحقيق النجاحات.

 

سيروى طرفًا من صعوبات الحياة ومشاق الرحلة وصولًا إلى عتبة الثمانين التى يمر منها إلى عالم رحيب تراوده فيه لاتزال أمانى عِذاب.

 

صعب تلمس حقيقة العم صلاح من أول وهلة، وعادة ما يفهمه البعض خطأ على غير حقيقته، ويظنون به الظنون، وهذا ما يكلفه كثيرًا، وعانى بشدة من سوء الظن به، والبعض يصعب عليه قراءة كتابه، وكتابه مفتوح الصفحات، معنون فى فصول، كتابه بيمينه، لسان حاله يُغنى عن بيانه، والمعنى القرآنى البليغ يصح فى حالته «هاؤم اقرأوا كتابيه».

 

العم صلاح لمن لم يختبر معدنه النفيس، صاخب فى محبته، وغاضب فى ردة فعله، خلقه ضيق يضيق بالحمقى، ويأنس للظرفاء، يهش ويبش فى وجوههم، ويُنزلهم عنده منزلًا كريمًا، ويفسح لهم من حياته مطروحًا، حصيرته واسعة كما يقول فى ريف «أبوحمص»، حيث مسقط رأس العائلة.

 

تظلمه تعريفات الموسوعات الإلكترونية، تسجل عنه ما نشرته بعض الصحف السيارة، تبتعد بمسافة عن حقيقة الرجل، وهذا جزاء العمل العام، وينصح الحكيم «ابن حزم الأندلسى»: «من تصدر لخدمة العامة فلابد من أن يتصدق ببعضٍ من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم، حتى وإن واصل الليل بالنهار».

 

إن حكى، وأحسبه من الحكائين الذين تستهويهم التفاصيل، وذاكرته تحتفظ بصور حياتية من أيام الصبا وحتى الثمانين، من أبى حمص حيث الميلاد، حتى الزمالك حيث مكتبه الذى يشبه الصوبة الزجاجية تزاورها الشمس كل صباح، تحس أنه من فصيلة «عباد الشمس» يدور حول الشمس، يفضل النهار عن الليل، نهارى النشاط.

 

لو عاد «نيوتن» (الاسم الصحفى لعم صلاح) إلى صفحات «المصرى اليوم» مجددًا لكتب سلسلة مقالات ملهمة فى مناسبة ميلاده الثمانين، لحكى ما تيسر من أيامه، وأيام جيله، دروس لأجيال تسمع عن العم صلاح دياب وتطالع سيرته فى المراجع الإلكترونية، لكنها لم تسمع منه شخصيًا بعد...

نقلا عن المصرى اليوم