ياسر أيوب
لا يزال كثيرون يتذكرون إجابة النجم الإنجليزى ديفيد بيكهام منذ 20 سنة حين انتقل إلى نادى ريال مدريد، وسُئل: كيف سيتعامل مع زملاء له يتحدثون بلغات مختلفة.. وقال بيكهام يومها إن الإنسان لا يحتاج للكلام حين يكون مع زملاء مميزين مثل لاعبى الريال.. ورغم أن ديف رايت لم يكن من النجوم أو المدربين الكبار والمشاهير، فإنه صاحب دراسة مهمة عن الصمت وكرة القدم.
وأكد فى تلك الدراسة أن النجوم الكبار هم الأقل كلامًا أثناء اللعب، والمدربون أيضًا.. وأن الكلام يسرق الكثير من تركيز اللاعب والمدرب سواء الكلام غير الضرورى أثناء اللعب أو الكلام عن أنفسهم فى غير أوقات اللعب.. وما يُقال عن لاعبى ومدربى الكرة وصمتهم يصلح أن يُقال عن لاعبى ومدربى أى لعبة أخرى، بل عن كثيرين جدًّا فى مختلف مجالات الحياة.
ومنذ ست سنوات، صدر كتاب جميل واستثناء لأستاذ التاريخ الفرنسى، ألان كوربين، بعنوان: «تاريخ الصمت»، وأجمل ما فى هذا الكتاب ليس ما يحويه من حكايات تاريخية ممتعة عن الذين اختاروا الصمت مقابل الذين غلبتهم شهوة الكلام، وكيف ومتى أصبح الصمت دليلًا على الحزن أو الحداد أو الحكمة أو الاحتقار أو الرفض أو القبول أيضًا.. إنما الأجمل هو هذا التحريض على التفكير فى معانى وقيمة الصمت.
فللصمت معانٍ كثيرة، فهو غالبًا منتهى القوة، وهو أحيانًا منتهى العجز.. والمؤكد أن أخطاء الإنسان إذا صمت أقل فداحة من أخطائه حين يتحدث.. وأكد «كوربين» فى هذا الكتاب أن الإنسان فى زماننا الحالى أصبح يفتقد الصمت.. وسائل الإعلام التى تنوعت، وطباع الناس التى تبدلت، وصراعات الحقوق والمطامع والمصالح.. كل ذلك أفقد كثيرين قدرتهم على السكوت، وباتوا مضطرين للصراخ طول الوقت.
وغالبًا الذى يصرخ يفقد قدرته على التفكير والتركيز ويفقد نفسه تائهًا وسط زحام الناس وصخبهم.. وغير ألان كوربين، أكد مفكرون وكُتاب كثيرون أن الصمت فضيلة، إلا إن كان خوفًا من مواجهة ظلم وفساد.. ولا تتشابه ألعاب الرياضة فى التزامها بالصمت.. ففى التنس والجولف وبعض ألعاب القوى والشطرنج على سبيل المثال، لابد من صمت المتفرجين، مهما كانت حماستهم وانفعالهم.
ويختلف الحال تمامًا فى كرة القدم وكرة السلة وألعاب أخرى تحتاج لصراخ الجماهير داخل الملاعب وليس خارجها.. صراخ التشجيع والتأييد والانتماء وليس صراخ التهويل والتحريض والأكاذيب. ورغم الصراخ المشروع فى بعض الملاعب والألعاب وأيضًا فى بعض مواقف الحياة.. فلابد من عدم إغفال ضرورة الصمت وقيمته وأهميته أيضًا.. وأن يسكت الإنسان حين لا يكون هناك مَن يسمعه أو حين يفقد كل الكلام قيمته وضرورته.
نقلا عن المصرى اليوم