(حوالي 354- 359 م تقريبا )
إعداد/ ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية يوم 25 أمشير من الشهر القبطي الموافق 4 مارس من الشهر الميلادي بتذكار نياحة القديس أبو فانا ؛ وهو واحد من قديسي الكنيسة القبطية عاش في زمن الإمبراطور ثيئودسيوس الكبير ( 347- 359 م) ؛ ولقد ولد من أبوين تقيين ؛ ربياه في مخافة الله وحفظ وصاياه ؛ ترهب في شبابه في أحد أديرة الأشمونين ؛ وتدرب علي الحياة النسكية والعمل اليدوي ؛ثم أشتاقت نفسه إلي حياة الوحدة ؛فطلب من رئيس الدير أن يسمح له بها فسمح له . وكان القديس يصوم يوميا إلي المساء مع صلوات ومطانيات كثيرة ؛ وبالرغم من محبته للوحدة ؛إلا انه لم يغلق باب قلايته عن أخوته ؛فتحول مسكنه إلي مركز إشعاع روحي ؛ فكان الرهبان يأتون لياخذوا منه النصح والإرشاد ؛ كما وهبه الله موهبة صنع المعجزات . وعندما قربت ساعة نياحته ؛ طلب من الأب كاهن المنطقة أن يناوله من الأسرار المقدسة ؛ وبعد أن تناول ودع الأخوة وباركهم طالبا صلواتهم عنه ؛ ثم فاضت روحه الطاهرة إلي السماء ؛فقام آباء البرية بتكفينه ودفنه بإكرام عظيم ؛ وقد بني دير علي أسمه بجوار قرية بني خالد ( مازال دير أبو فانا موجودا في الصحراء غربي مدينة ملوي حاليا ) .
أما عن دير أبو فانا الأثري ؛ فهو يعتبر واحدا من أهم الأديرة الأثرية في مصر ؛ كتب عنه العلامة المقريزي فقال " دير برقانا (تحريف أسم أبو فانا غالبا ) بحري بني خالد ؛وهو مبني بالحجر وعمارته حسنة ؛وهو من أعمال المنية ؛وكان في القديم به ألف راهب ؛وليس به الآن سوي راهبين وهو في الحاجر تحت الجبل " ( عبد المجيد دياب :- تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛ دار الفضيلة ؛ 1995 ؛ صفحة 164 ) .
كما عنه الراهب الدومنيكاني فانسليب ( 1635 – 1679 ) فقال "بعد القصر ؛علي الجانب ذاته دير الطوباوي ابفانيوس ] أبو فانا [ علي نهر ] بحر[ يوسف . ( جوفاني ميكليه فانسليب :- تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ؛ ترجمة وديع عوض ؛تقديم محمد عفيفي ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛الكتاب رقم1005 ؛ 2006 ؛ صفحة 155 ) .
أما الرحالة الفرنسي كلود سيكار ( 1677- 1726 ) ؛ فلقد قام بزيارة الدير خلال رحلته الأولي إلي الصعيد عام 1718 م تقريبا ؛ فقال عنه "وانتقل الي الكنيسة المشهورة المعروفة بكنيسة الصليب ويعرف أيضا بدير أبو فانا أو دير ابو فانوس وهو يقع عند اقدام جبل الغروب وبه 21 عمود من المرمر من الطراز القوطي وحوائط الكنيسة مزينة بصورة الصليبب اللا نهائي : صليب الأبدية وكل الرسوم بالكنيسة مختلفة الألوان والتصميم .ويوجد في نهاية الخورس الرابع زهور نباتية قديمة جدا ترجع للقرن 8 الميلادي " . ( الأنبا صموئيل :- تاريخ أبو المكارم عن ما كتبه الأجانب والمؤرخون عن الكنائس والأديرة ؛ الجزء الرابع ؛ صفحة 130 ) .
كما زاره الأب جوليان خلال عام 1883 م تقريبا ؛وروي في مذكراته أن كاهن القرية القريبة من الدير كان يقوم بصلاة القداس الإلهي ؛ولقد أخذت الرمال الكثيفة تغطي الدير ؛ حتي جاء القمص متياس جاب الله كاهن كنيسة ابو فانا بقصر هور في أواخر القرن التاسع عشر برفع الرمال عن الدير وإعداده للصلاة به .
ولقد قام علماء الحملة الفرنسية بوصف الدير وصفا دقيقا ؛أما أول من اطلق أسم دير الصليب عليه فهو العالم الفرنسي الشهير جاستون ماسبيرو ( 1846- 1916 ) الذي قام بزيارة الدير عام 1883 ؛ ودهش من كثرة رسومات الصلبان به ؛ كما أن الكنيسة نفسها علي شكل صليب ؛فأطلق عليه "دير الصليب " .
أما الراهب القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي الصغير ( 1848 – 1935 ) فلقد كتب عنه في موسوعته الخالدة "تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين " فقال " ذكره المقريزي في وجه 505 .وقال : أنه بحر بني خالد .هو مبني بالحجروعمارته حسنة .وكان به في القديم ألف راهب وليس به الآن سوي راهبين . وهو في الحاجر تحت الجبل ........ ولا نعلم هل (برقانا ) محرفة من (بو فانا) أي دير أبو فانا المذكور في فصل 5 عدد 38 وجه 187 أم هو دير غير ذلك فلا يكون في كلمة برقانا تحريف " ( عبد المسيح المسعودي :- تحفة السائلين في ذكر أديرة الرهبان المصريين ؛ دير السيدة العذراء البراموس ؛ الطبعة الثانية أغسطس 1999 ؛ صفحة 159 – 160 ) .
كما كتب عنه الدكتور رؤوف حبيب (1902 - 1979 ) مدير المتحف القبطي الأسبق في كتابه " تاريخ الرهبنة والديرية وآثارها الإنسانية علي العالم " فقال عنه "دير أبو فانة : وكان من الأديرة المشهورة في العصور المسيحية الأولي منذ القرن السادس للميلاد وكان عامرا بالرهبان وهو غرب المنيا وغرب الشيخ عبادة .ومازالت به بقايا من آثارمن الفرسك التي كانت تزين بعض مبانيه أو هياكله مما يدل علي أهميته وقد شرع المتحف القبطي في بناء استراحة في الصحراء القريبة منه للبدء في عمل الحفائر الازمة في أنقاضه لاستجلاء ما غمض من تاريخه " . ( رؤوف حبيب :- تاريخ الرهبنة والديرية في مصر وآثارها الإنسانية علي العالم ؛ صفحة 152 ) .
كما كتب عنه المتنيح الأنبا صموئيل أسقف القناطر في كتابه "الدليل إلي الكنائس والأديرة القديمة من الجيزة إلي أسوان "تحت رقم (60 ) فقال " يقع الدير في الصحراء الغربية لقصر هور ويبعد عنها 4 كم . ويفضل الوصول الي اتبلدم التي تقع 18 كم شمال ملوي ومنها إلي قصر هور علي مسافة 8 كم ثم عبور بحر يوسف ثم السير 3 كم إلي الدير . الباقي من الدير هو الكنيسة القديمة فقط التي اختصرت منها كفناء .والكنيسة التي ترجع إلي القرن السادس الميلادي بها هيكل نصف دائري تزينه الحنيات وعلي جانبيها أعمدة صغيرة وأمام الهيكل حجاب مطعم قديم . يلي الهيكل الخورس وعلي جانبيه حنيتان في السقف بها فرسكات علي شكل صليب لذا سمي أحيانا بدير الصليب .ويوجد في الركن الغربي من فناء الكنيسة البئر وكان بجانبه عمود من الأعمدة الأصلية للكنيسة القديمة واستبدلت باقي الأعمدة بأعمدة أحدث سميكة . وخارج الدير أكوام أتربة يوجد تحتها آثار منشوبيات الرهبان تشير إلي الحياة الرهبانية الأولي بجوار الدير تقوم بالكشف عنها حاليا بعثة الآثار النمساوية " . ( نيافة الأنبا صموئيل :- الدليل إلي الكنائس والأديرة ؛ الدير رقم 60 ؛ صفحة 37 ) .
ومن أحدث الكتب والمراجع التي كتبت عن الدير نذكر موسوعة "الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم " للدكتور جودت جبرا ؛وجيرترود ج .م .فان لوون والصادرة عن المركز القومي للترجمة تحت رقم 1844 ؛ حيث جاء فيها تحت عنوان "دير أبو فانا " فقال " تعد الكنيسة المبنية علي الهضبة اليوم البناء الوحيد المتبقي من مجموعة مباني الدير القديم . وهيكل الكنيسة مبني علي الطراز الأصلي لهياكل القرن السابع الميلادي ؛حيث يبدو الجزء الشرقي منه علي هيئة هيكل ثلاثي التقسيم كما في كنائس الأديرة الواقعة بالقرب من مدينة سوهاج ولكنه لم يبن مثلها .فالحجرات الجانبية أصغر حجما من حنية الهيكل الرئيسي وأنصاف قبابها بنيت في وقت لاحق .وتعلو حنية الهيكل الرئيسي ؛في التصميم الأصلي ؛فقط نصف قبة (لا تزال موجودة) ؛في حين أن المساحة الأمامية كانت عبارة عن خورس يعلوه علي الأرجح ؛سقف علي هيئة قبو ممتد أو مسطح .وتم تغيير شكل الصحن عدة مرات ؛وهو يضم حاليا جزءا من المساحة الأصلية بها ساحة صغيرة في أقصي الجهة الغرببة .ونشتهر الكنيسة برسومها الجدارية ومنها : الصليب الضخم ذو التصميم المجدول الموجود بأعلي المذبح ؛والصلبان المنقوشة علي نصفي القبة الجنوبي والغربي ( التي ترجع إلي القرن الثالث عشر الميلادي) ؛والتي جعلت المكان يطلق عليه أسم "دير الصلبان " .ولقد قام فريق من الخبراء النمساويين ؛ما بين عامي 1987 و1993 م . بترميم الكنيسة وعمل حفائر في الجزء الشمالي من الدير ؛فعثروا تحت أرضية كنيسية ترجع إلي القرن السادس الميلادي ؛علي أطلال كنيسة ترجع إلي القرن الرابع الميلادي بها مدفن القديس ؛وأمكن التعرف علي رفات القديس عن طريق عاموده الفقري المصاب بمرض مزمن يعرف ب("التهاب الفقرات اللاصق Bechterew s Disease ) ؛ وهو عبارة عن نوع من التهاب المفاصل يصيب بالدرجة الأولي العامود الفقري ويؤدي إلي تصلب الجسد كما كان حال القديس وفقا للوصف الوارد في سيرة حياته ........ ولقد بني بالقرب من الكنيسة الأثرية ؛دير حديث وكنيسة تم افتتاحهما وتدشينهما رسميا عام 2004 " .( المرجع السابق ذكره ؛ 246 ).
أما آخر كتاب كتب عنه فهو – في حدود معلوماتي – "المسيحية القبطية في ألفي عام " للمؤرخ الألماني الكبير أوتو ميناردس " ( 1925- 2005 ) (أنظر مقالة كاتب هذه السطور عنه وعن أعماله علي موقع الأقباط متحدون بتاريخ 30 سبتمبر 2019 ) حيث قال عنه " الكنيسة بالدير هي المبني الوحيد الذي تبقي بعد خراب الدير ؛وللكنيسة ثلاثة حصون منفصلة باثني عشر عمودا . بينما يزين الحنيات نصف الدائرية أعمدة صغيرة . بالإضافة إلي ذلك توجد كنيسيتان صغيرتان ؛ والكنيسة مزينة برسوم جدارية كثيرة علي شكل صلبان ذات أإحجام وتصميمات مختلفة ؛وتقع المعموية في الجانب القبلي من الكنيسة ؛وتقع مغارة أبو فانا علي بعد ثمانين متر علي يمين أطلال الدير . .... ويذكر أبو المكارم أن كنيسة أبو فانا تولي ترميمها الرشيد أبو الفضل ؛ ويتحدث المقريزي عن دير أبو فانا وعمارته البديعة ؛ وكان البابا ثيؤدسيوس الثاني أحد رهبان هذا الدير . وقلت أعداد الرهبان قبل الفتح العربي في القرن السابع ؛ وفي القرن الخامس عشر كان بالدير راهبان فقط ؛ وخلال أعمال حفريات بعثة المعهد النمساوي عام 1992 ؛ أكتشفت مقبرة القديس أبيفانوس " ( للمزيد من التفصيل :- راجع الكتاب السابق ذكره ؛ صفحتي 234 – 235 ) .
أما عن قصة تعمير الدير الحديث ؛ فلقد بدأت مع بداية عمليات الحفر التي قام بها العالم النمساوي "هلموت بوشهاوزن " الباحث بمعهد الآثار النمساوي خلال الفترة (1987- 1992 ) وفي خلال عام 2003 قام المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث (1971- 2012 ) - نيح الله نفسه في فردوس النعيم - برسامة مجموعة من الرهبان علي الدير للبدء في تعميره .
ولقد تخرج من دير أبو فانا بطريرك واحد فقط هو "البابا ثيؤدوسيوس الثاني " (1294- 1300 م) البابا رقم 79 .
بعض مراجع وأسانيد المقالة:-
1- عبد المجيد دياب :- تاريخ الأقباط للعلامة المقريزي ؛دار الفضيلة ؛ 1995 .
2- جوفاني ميكليه فنسليبو :- تقرير الحالة الحاضرة لمصر 1671 ؛ المشروع القومي للترجمة ؛ المجلس الأعلي للثقافة ؛ 2006 .
3- القمص عبد المسيح المسعودي البراموسي :- تحفة السائليبن في ذكر أديرة رهبان المصريين ؛ دير السيدة العذراء البراموس ؛ الطبعة الثانية أغسطس 1999 .
3- جودت جبرا ؛ جيرتود ج .م. فان لوون :- الكنائس في مصر منذ رحلة العائلة المقدسة إلي اليوم ؛ترجمة أمل راغب ؛المركز القومي للترجمة ؛الكتاب رقم 1844 ؛ 2016 .
4- أوتو ميناردس :- المسيحية القبطية في مصر ؛ترجمة مجدي جرجس ؛ المركز القومي للترجمة ؛ الكتاب رقم (2353 ) ؛2019 ؛صفحتي (234- 235 ) .
5- خالص الشكر لنيافة الحبر الجليل الأنبا ديمتريوس أسقف ملوي ؛ الذي غمرني بمحبته وكرمه وأهداني نسخة قيمة من كتابه الثمين عن دير القديس أبو فانا ؛ فلنيافته جزيل الشكر والمحبة والتقدير .