عاطف بشاى
شملتنى فرحة غامرة وسعادة طاغية بفوز درتنا الغالية «سناء البيسى» 3 أغسطس 1937، ذهبية القلم الساحر الساخر فى أناقة بادية، والمبهر فى طرحه الجميل، الغنى بعمقه وشموله وبلاغته التى قال فيها أستاذنا «نجيب محفوظ»: هيهات أن أبلغ ذروة البلاغة التى تتمتع بها فحرصت على بروزتها فى إطار موضوع فى مكتبها.
فازت سناء البيسى بجائزة الاستحقاق الكبرى التى تمنحها مؤسسة الفنان البازغ وزير الثقافة الأسبق «فاروق حسنى» لعام 2024 تتويجًا لحصادها العظيم، فى رحلة امتدت لأكثر من نصف قرن من الإبداع الباهر فى القصة القصيرة والمقال والتحقيق الصحفى والفن التشكيلى، وشمل إنتاجها الأدبى عدة كتب أبرزها (سيرة الحبايب- مصر يا اولاد- الكلام المباح- أموت وافهم). ففى «سيرة الحبايب» شملت 55 شخصية من قلب مصر من عظماء الأمة والدعاة والشيوخ والساسة والأدباء والصحفيين من الرواد وأهل الفن من الشعراء والموسيقيين والمطربين والمطربات والممثلين والممثلات، فى باقة جمعتها من ثمار شجرة الإنسانية تحلق فى أجوائها بالمعايشة الودودة والصداقة العميمة والحب الغامر والتأمل الفكرى العميق والتأثير العريض.. تقول فى مقدمة الكتاب: إن غرامى وقضيتى وحوار عمرى ونبض قلبى ونهج بحثى هو «سيرة الحبايب».. ومنهم «إمام المتقين على بن أبى طالب».. و«الزعيم سعد زغلول» و«مصطفى النحاس» و«أنور السادات» و«التابعى» و«مصطفى أمين» و«فكرى أباظة» و«يوسف إدريس» و«فتحى غانم» و«أمير الشعراء أحمد شوقى» و«موسى صبرى» و«شكوكو» و«فاطمة رشدى» و«منيرة المهدية» و«أم كلثوم».. إلخ.
إنها من الصحفيات القلائل اللاتى أتيحت لهن مواكبة عمالقة الصحافة والأدب والفن على مدار تاريخها المهنى الطويل، الذى شيدت فيه لمدرسة صحفية رائعة وفريدة وجذابة من خلال مجلة «نصف الدنيا» التى رأست تحريرها باقتدار.. ويؤكد الكاتب الصحفى «عمر طاهر» فى مقال له أن «سناء البيسى» لم تتعال يومًا على فكرة الصحافة النسائية.. أعلت من شأنها واستطاعت أن تحولها من مجرد أداة تسلية إلى مرجع مهم يحرص الجميع على اقتنائه.. وأرشيف للحوارات النادرة والملفات الثقيلة.. وأعترف أننى قد استفدت استفادة كبيرة من تلك الملفات فى الكثير من موضوعات مسلسلات، وسجلت ذلك فى مقالات اطلعت عليها.. ولفرط تواضعها فرحت بها جدًا، وأطلعت عليها كتيبة المحررين والمحررات بالمجلة.. هذا وقد خصها كاتبنا الكبير «نجيب محفوظ» بنشر قصصه «أحلام فترة النقاهة» و«أصداء السيرة الذاتية» بها.
وفى مجال الدراما تحولت إحدى قصصها إلى مسلسل شهير هو «هو وهى» فى حلقات منفصلة متصلة بطولة «سعاد حسنى» و«أحمد زكى» وإخراج «يحيى العلمى»، وقد شرفت بكتابة السيناريو والحوار لمسلسل آخر هو «الكلام المباح» عن قصة بنفس العنوان بطولة «دلال عبد العزيز» و«حسين الإمام» وإخراج «إبراهيم الشقنقيرى».
وفى كتاب «مصر يا اولاد» حيث تمتزج السخرية المرة بالطرفة الضاحكة، والتهكم المتقد بعبث المحتوى، وسلبيات الشخصيات بالفهلوة الشعبية.. والنقد الاجتماعى بالمزاح المراوغ.. تكتب عن شخصية «المشهلاتى»: «ساعة ما رأيته يهنكر فى مكتب الرجل الكبير.. قلت خلاص دخل فى زواريقه وركب موجته ولعب فى دماغه وأكل بعقله بلوظة.. وبنى له بالملايين قصورًا فى الهواء وشرخ سقف برجه.. ودهن له الهوا ء دوكو.. وخرم التعريفة ورصف له البحر.. وزرع له السماء فدادين تفاح أمريكانى.. وحلب له العصفور لبن كامل الدسم.. وولع له قنديل أم هاشم وشموع كنيسة العذراء.. وفرش له سجادة الدعاء فى عاشورة.. وعقد له الفيل داخل المنديل.. ومن أجل عيونه لبس له البومة نظارة.. والديب كمامة والأسد طرحة.. وجوزله الحداية ديب والحمامة وحيد القرن.. وخلى والده العجوز المرتعش ياخد بطولة الاسكواش.. وبنته أم ضب تاخد وشاح جمال الشط.. وحلقله شعر شمشون على الزيرو.. وصرف له الجان وعمل له بهلوان ووقف على راسه لاجل ضحكة تزيل همه».
«سناء البيسى» هى صاحبة القلم المميز بالعبارة الرشيقة ذات الجرس الموسيقى الخاص.. والروح المداعبة الطريفة، والألمعية الواضحة فى استخدام مفردات تحتوى على كل فنون البلاغة؛ من جناس وطباق وتشبيه واستعارة وكناية ومفردات متنوعة ومعان براقة عميقة الغور.. شيقة المحتوى جيدة السبك والحبك.. ترسمها بريشة ساحرة.. فهى فنانة تشكيلية رقيقة.. تلون أسلوبها فى الكتابة بزخارف بديعة فى الحكى، وكثير من فنون السخرية البراقة والمحببة إلى النفس.. والتى تنزع الأقنعة من على الوجوه الجهمة.. لكنها لا تدمى ولا تجرح.. تداعب ولا تؤذى.
نقلا عن المصرى اليوم