بمناسبه عيد النياح 53 لابينا القديس البابا كيرلس السادس . اقدم لحضراتكم هذه الشهاده القويه التى شهد بها مثلث الطوبى والرحمات الانبا غريغوريوس اسقف عام الدراسات العليا اللاهوتيه والثقافه القبطيه والبحث العلمى عن قداسه ابينا القديس البابا كيرلس السادس .
ينقل لكم هذه الشهاده :
الكاتب والباحث : مجدى سعدالله .
اليك يارجل الله . قداسه البابا كيرلس السادس . وقد رحلت عنا إلى عالم البقاء والخلود . تحيه اعزاز واجلال وأكبار تليق بأبوتك الكريمه وشخصيتك القويه القويمه .
فبقدر ما كنت راهبا يؤثر الصمت على الكلام . لكنك نجحت حقا ان تجعل صمتا ناطقا بصفات بارزات . ولعل من ابرز صفاتك انك رجل تميز بالصبر الجميل وبطول الأناة .
كانت أعباء منصبك الجليل ثقيله جدا .وكانت أحمالك كرئيس اعلى للكنيسه باهظه . ولكنك حملتها جميعا على كتفك وعلى رأسك وانت صابر .لا تصيح ولا تئن .
والغريب أنك لم تكن تشكو او تتبرم . كان المرض يهد صحتك ولا يسمع منك احد كلاما . الا ان تشكر الله وتحمد له فضله . وتبتسم ابتسامه الرضى . بهدوء الملائكه وقناعه القديسين .
لقد أكرمك الله فى حياتك ويوم مماتك . ففى حياتك تمت منجزات بل معجزات . منجزات روحيه وعلميه وعمرانيه مصحوبه كلها ببركات سمائيه .كما تمت ايضا معجزات إلهيه . أهمها معجزه تجلى السيدة العذراء مريم فى الزيتون .لعلها اهم معجزة فى القرن العشرين . بل والقرون الأخيرة .
وقد أكرمك الله فى نياحتك بهذا الوداع النادر المثال الذى تجلى فيه كل الوفاء وكل الحب وكل الاجلال لسيرتك العطرة وحياتك الطاهرة . سواء من جانب الدوله والحكومه . او جانب الشعب مسحيين ومسلمين .
لاشك ان قداسه البابا كيرلس السادس ظاهرة روحية فى جيلنا تستحق التسجيل للتاريخ .ولتكون حلقه ذهبية فى سلسله طويله من تاريخ طويل حافل بالأمجاد الروحانية للكنيسه القبطية الارثوذكسية .
وعلى الرغم من ان البابا كيرلس السادس لم يكن خطيبا او واعظا منبريا . بل لم يكن من اصحاب المؤهلات العلميه العاليه .ولم يكن كذلك من اصحاب القلم . فلم يولف كتبا . ولم يحرر مقالات طويله .
ومع ذلك قد ترك على قلوب الملايين فى مصر وخارج مصر . فى كل افريقيا وآسيا واوربا وأمريكا . اثارا عميقه ابعد غورا من ان يغطيها النسيان .
وسيظل اسمه فى ذاكرة الأجيال مقترنا بالعبادة والقداسة والفضيلة . مع البساطة الصادقه . والوداعة الحقيقيه والرؤيا الباطنيه . والكشوف الروحانية .
فكان ومايزال عند الكثيرين فى صفوف الأنبياء بما توافر له من الجلاء البصرى . والجلاءالسمعى . والجلاء الحسى والرؤيا لبعض الماضى . وبعض الحاضر . وبعض المستقبل .
ان المعرفه التى تميز بها البابا القديس كيرلس السادس هى من نوع ذلك العلم الذى يعرف بانه العلم اللدنى ، اى العلم الذى من قبل الله . انه علم من الله مباشرة .
يتولد من منحه علويه ، وقوة عاليه على الطبيعه او بالأحرى فوق الطبيعه .
. لقد مضى على نياحه قداسه البابا كيرلس السادس سنوات طويله . ومع ذلك فهو حى فى ذاكرة الناس كأنه مازال على قيد الحياة بالجسد .
بل ان كثيرين مازالوا يعاملونه ويعاملهم . تماما كما كان فى الجسد حيّا . يرشدهم ويوجههم . ويعينهم ويغيثهم ويحل مشاكلهم . وينقذهم من مازقهم ويعالج أمراضهم .
. ويزورهم فى الليل والنهار . فى النوم وفى اليقظه بصورة منظورة حينا . وبصورة غير منظورة حينا اخر . وفى جميع الأحوال بابوة حانيه ورعايه ساهرة ،لقد صار سريع الاستجابة لمن يستغيث به .
ولا يقتصر نشاطه على حدود جغرافيه . فقد صار يناديه محبيه ممن يؤمنون بصلواته التى تقتدر كثيرا فى فعلها فى كل أنحاء مصر . بل ومن القبط ممن هاجروا الى كل أنحاء العالم .
لقد وجد الناس فى قداسه البابا كيرلس السادس رجل دين يلمس احتياجاتهم الروحيه والنفسية والصحيه .. فاستغاثوا به فأغاثهم .. واستعانوا به فأعانهم ..طلبوا بركته فباركهم ، سألوه فأجابهم .ولم يخيب رجاء احد .
كانت له لمسه شافيه وصلواته لها قوة عظيمه فعاله . بالاضافة الى ما حباه الله من كشف روحانى . ولكن الاشد غرابه وانا اشهد بذلك . ان البابا كيرلس السادس كانت فى حياته موهبه الانتقال بالروح عبرالمسافات .
فكان يظهر لبعض الناس فى بيوتهم . ويعينهم على حل مشاكلهم . ويخلصهم من ضيقاتهم . ويصلى عنهم ويباركهم . ثم تغادر روحه المكان ولا يبقى لوجوده فيه دليل مادى غير بخور او ريحه زكيه عطرة .
بالاضافة الى ما يتركه من صور ذهنية فى ذاكرة الذين زارهم . وتزداد الدهشة اذ يلتقى به الناس بعد ذلك . فيجدونه عارفا بزيارته لهم .
. بل انه فى حديثه مع من زارهم . يتمم ما بدأه معهم . وهو فى هذا شبيها باليشع النبى الذى ذهب بالروح وراء تلميذه جيحزى
(2 الملوك 5 : 26) وكذلك مثل القديس الانبا رويس . والاباء الرهبان السواح الذين ينتقلون بالروح او بالجسد من مكان إلى مكان .
. وهو ما يعرف بالاختطاف العقلى والاختطاف بالجسد . على نحو الاختطاف الذى حدث للقديس فيُلبَس الشماس . حينما انتقل بالجسد من غزه الى اشدود ( اعمال 8 : 26,39,40 )
وكل هذا عرفه الناس عمليا فى حياه قداسه البابا كيرلس السادس من غير رغبه منه فى اعلان . وهذا يدل على احساس عميق عنده بان هذه القدره موهبه من الله . لا فضل له فيها . وهبه الله إياها ليخدم بها الناس
. كان يعلم فى قرارة نفسه انه إنسان بسيط فى علمه . ولقد لازمه هذا الإحساس فى كل حياته . ولذلك فانه بكى كثيرا يوم أبلغوه باختياره بطريركا ...
وقد لازمه هذا الإحساس كل ايام حبريته . فظل متواضعا على الحقيقة . فلم يُزعم او ينسب لنفسه ما يؤمن فى أعماقه انه ليس له .
إلى احضان القديسين فى فردوس النعيم مع زملائك البطاركه السابقين . نستودع روحك المقدسه الامينه . ايها البابا الجليل راعى الرعاة ورئيس الرؤساء وأب الأباء وثالث عشر رسل المسيح . سائلين منك صلواتك من اجل الكنيسه فى مصر . وفى كل انحاء الكرازة المرقسية فى افريقيا . والشرق . والمهجر .
بقلم مثلث الطوبى والرحمات المتنيح الانبا غريغوريوس ( البابا كيرلس السادس فى عينى الانبا غريغوريوس ) .
اعدها وقدمها : مجدى سعدالله .