سمير مرقص
(1) أخى جاوز الظالمون المدى- 1948
احتلت القضية الفلسطينية مكانا بارزا فى الإبداع الغنائى المصرى والعربى منذ نكبة 1948. فلم ينقطع الغناء لفلسطين منذ هذا التاريخ المشؤوم وإلى الآن. وتراوحت الأغانى بين نوعين من الغناء، النوع الأول: مشاعرى إنسانى تجسد غناءً باللغة العربية الفصحى فى الأغلب. أما الثانى: جماهيرى احتجاجى تم ابداعه بلغة عربية فصحى بسيطة وعامية أقرب للمنشور السياسى. بيد أن ما جمع بين النوعين: الألم والغضب والوعد بالمقاومة والثقة بعودة الحقوق مهما طال الزمن، إضافة لكشف المستور السياسى الذى يدبر له بليل فى كواليس القضية الفلسطينية. البداية أطلقها الرائد «محمد عبدالوهاب» (غناءً ولحنا) أعقاب نكبة 1948 بكلمات الشاعر الرقيق «على محمود طه» «أخى جاوز الظالمون المدى»، عبرت القصيدة عن لا إنسانية المجازر الصهيونية التى تجاوزت كل الحدود وبلغت ذروتها فى النكبة.. ونقتطف منها الكلمات التالية: أخى جاوز الظالمون المدى/ فَحَقَّ الجهادُ وحَقَ الفِدا.. وليس بغير صَلِيلِ السيوف يجيبون صوتا لنا أو صدى/ أخى قُم إلى قبلة المشرقين لنحى الكنيسة والمسجدا/ يسوع الشهيد على أرضها يعانق فى جيشها أحمدا.. فلسطين يحمى حماك الشباب وجل الفدائى والمفتدى/ فلسطين نحميك ملء الصدور فإما الحياة وإما الرَدى.. ومنذ انطلاق شحنة المشاعر الرافضة للظلم التى عبر عنها موسيقار الأجيال توالت الإبداعات الغنائية حول فلسطين.. خاصة الفيروزية التى أولت القضية اهتماما خاصا على مدى عقود فأبدعت: أنا لا أنساك فلسطين، زهرة المدائن، القدس العتيقة، جسر العودة، وقد تم جمع هذه الأغانى فى ألبوم عنوانه: سنرجع يوما.
(2) القضية سافرت- 1968
ومع انطلاق «طوفان الأقصى» ظهرت أغنية منسية وصفت بـ«الممنوعة» «للست فيروز» عنوانها: القضية سافرت «نالت نسبة استماع كبيرة جدا على مدى شهور الطوفان الذى لايزال متدفقا حتى اليوم. وبمراجعة الأخ العزيز الفنان التشكيلى والمتخصص فى الأيقونات والناقد والمؤرخ الثقافى اللبنانى الدكتور «محمود الزيباوى» حول الأغنية أجاب: «إنها ليست ممنوعة وإنها فقط غُنيت مرة واحدة من خلال فعاليات مهرجان دمشق عام 1968 ولم تسجل. وإنها دائما ما تستدعى مع كل حدث فلسطينى». وتقول كلمات الأغنية التى تنتمى لأغانى المنشور السياسى: «سافرت القضية تعرض شكواها فى ردهة المحاكم الدولية/ وكانت الجمعية قد خصّصت الجلسة للبحث فى قضية القضية/ وجاء مندوبون عن سائر الأمم/ من دول الشمال والجنوب والدول الصغيرة والدول الكبيرة/ واستمع الجميع إلى اللجنة الرسمية/ وخطب الأمين العام حكى عن السلام/ وبحث الأعضاء الموضوع وطرح المشروع/ عدالة القضية، حرية الشعوب، كرامة الإنسان، وشرعة الحقوق، وقف إطلاق النار، إنهاء النزاع، التصويت، التصريحات، البت فى المشاكل المعلقة، الإجماع/ وحرصت مصادر موثوقة نقلا عن المراجع المطلعة/ ودرست الهيئة، وارتأت الهيئة، وقررت الهيئة/ إرسال مبعوث وصرح المبعوث بأنه مبعوث من قبل المصادر، وأن حلا ما فى طريق الحل/ وحين جاء الليل كان القضاة قد تعبوا، أتعبهم طول النقاش/ فأغلقوا الدفاتر وذهبوا للنوم/ وكان فى الخارج صوت شتاء وظلام/ وبائسون يبحثون عن سلام، والجوع فى ملاجئ المشردين ينام، وكانت الرياح لاتزال تقتلع الخيام».
(3) تلك قضية- 2023
فى نفس توقيت الانتشار الواسع لأغنية فيروز «سافرت القضية»، وقبل مرور شهر على انطلاق الأقصى، أطلقت فرقة الروك المصرية «كايروكى» التى تحظى بشعبية كبيرة فى وسط الشباب أغنية «تلك قضية وتلك قضية» بصوت نجمها «أمير عيد» التى حققت ملايين المشاهدة فى أسابيع، وتقول كلماتها التى كتبها مصطفى إبراهيم: «ينقذ فى سلاحف بحرية/ يقتل حيوانات بشرية- تلك قضية وتلك قضية. كيف تكون ملاكا أبيض/ يبقى ضميرك نص ضمير، تنصف حركات الحرية/ وتنسف حركات التحرير، وتوزع عطفك وحنانك/ ع المقتول حسب الجنسية- تلك قضية وتلك قضية. كيف أصدق هذا العالم/ لما بيحكى عن الإنسان؟، شايف أم بتبكى ضناها/ عشان مات فى الغارة جعان، ويساوى المقتول بالقاتل/ بشرف ونزاهة وحيادية- وتلك قضية وتلك قضية. كيف أنام قرير العين؟/ وأضع سدادة أذنين، والعيلة المدفونة فى بيتها/ ممنوع حد يخش يغيتها- تلك قضية وتلك قضية. بننادى على عالم مين/ علشان يستنكر ويدين، دن كما شئت فأى إدانة/ لما يجرى جوه السلخانة، مش هتخف بارود الدانة/ ولا ترجع له صباح- تلك قضية وهذا صباح».
(4) أغانى الجماهير
إن أغنيتى «القضية سافرت» و«تلك قضية» تعبران- بامتياز- عما بداخل الملايين/ الجماهير الذين احتفوا بهما إذ لم تعد الفصاحة والبلاغة مطلوبة للتعبير عن الواقع، بل القول الحر والواضح والصريح.
نقلا عن المصرى اليوم