أحمد الجمال
تعوّد البعض عن عمد أو عن جهل أن يُنسب أى حديث عن الصراع الاجتماعى إلى اليسار بوجه عام، وإلى الماركسية والشيوعية بوجه خاص، فأما العمد فيأتى غالبًا ممن هم ضالعون فى إشعال وتأجيج الصراع، من خلال مبالغتهم فى تجاهل مقتضيات التوازن بين مصالحهم ومكتسباتهم وطموحاتهم وبين مصالح ومكتسبات وطموحات الآخرين فى المجتمع، سواء كان هؤلاء الآخرون من الفئة ذاتها أو من فئات أخرى.
ولنا أن نرصد ما حدث ويحدث فى الأسعار وإخفاء البضائع، والفحش فى الربح والمضاربات، وغير ذلك مما عشناه ونعيشه للتدليل على ما أذهب إليه، ويمتد هذا العمد إلى تجاهل المصلحة الوطنية العليا فى السلم الاجتماعى، أو فى تقنين أى صراع كى لا يفلت إلى العنف والتخريب، وكم دار الحديث عن الشريحة التى لا يهمها بلد ولا وطن ولا قيم ولا سلم اجتماعى، حيث معظم- إن لم يكن كل- أموالهم فى الخارج، وحيث محركات الطائرات الخاصة ساخنة، والجنسيات المزدوجة موجودة أو التأشيرات مفتوحة.
وأما الجهل فيأتى ممن يدمنون الأمية العلمية والثقافية، حتى وإن زينوا جدران منازلهم ومكاتبهم بكعوب مذهبة لكتب مخفية العناوين، أو طعّموا كلامهم ببعض الرطانة الإفرنجية، أو حوت «مزّاتهم» ما لذ وطاب من طعام فاخر مجلوب لتوه من أفخم المطاعم، لأن كل ذلك لا يحمى من أمية مهلكة ومضحكة تعتبر ما عداها من تفكير أو تعبير مجرد «حنجورى» سميك.
ولعلى أذكر فى هذا المقام وقائع كنت طرفًا فيها فى أماكن مختلفة، وبين ناس متعددى الاتجاهات.
ومناسبة هذا الكلام عن الصراع الاجتماعى هى أننا، ومنذ سنين، لم نلتفت إلى هذا الأمر بحكم انشغال أهل السياسة والفكر والثقافة بما هو أولوية فى جدول أعمال الوطن، وأعنى به الاستقرار والأمن الشامل، وإتمام المرحلة الانتقالية على خير، وأما وأننا دخلنا مرحلة أخرى تبدو فيها تباشير نقلة اقتصادية تحكمها قواعد الاقتصاد الحر، بكل ما يعنيه، فإن الواجب يقتضى حماية هذه النقلة من أن تتعرض لهزات أو ارتباكات إذا تفاقمت، فهى زلازل مدمرة للجميع فى كل الوطن.. وما من حماية أكفأ وأشمل من توظيف الأدوات العلمية المتعارف عليها فى دراسة المجتمع والتطور الاجتماعى والعلاقة بين رأس المال وقوى العمل وعلاقات العمل، والعوامل التى تكفل توفير مناخ اجتماعى ثقافى مهيأ لقبول قوانين وقواعد الاقتصاد الحر، ولقبول رأس المال تنفيذ ما يكفل التوازن بين مصالحه وطموحاته وبين مصالح وطموحات القوى الاجتماعية الأخرى، بما يكفل بالتالى المصلحة الوطنية العليا.
ولقد كتبنا مرارًا حول الدور الحضارى والثقافى للرأسمالية فى الأوطان وفى مسيرة الحضارة الإنسانية، وميّزنا بينها وبين فئة أخرى حملت مسميات عديدة يمكن اختصارها كلها فى أنها فئة الثراء المالى «حملة الفلوس»، الذى ارتبط فى عالمنا الثالث بمعادلة الإفساد والفساد والاستبداد وإهدار كافة المعايير الإنسانية، والابتعاد عن أى مضمون ثقافى ومدنى.
وفى اعتقادى أن لدينا فى الفترة من بداية الانفتاح قبيل منتصف السبعينيات من القرن الماضى وإلى يونيو 2013 حالة تصلح نموذجًا فريدًا لدراسة الظاهرة.
ولن أسهب فى التوضيح لأن المساحة محددة، ولذلك فإذا أردنا التحول الكامل نحو الاقتصاد الحر يجب أن نبنى على خبرات ونماذج مجتمعات سبقتنا، وفيها رأسمالية تعرف دورها فى حماية المصلحة الوطنية العليا المحكومة بالدساتير والقوانين، وتعرف مساهمتها المطلوبة فى الجوانب الحضارية لوطنها، أى ثقافيًا ومعرفيًا وعلميًا، وتعرف أن التوازن الاجتماعى وحماية الفئات الفقيرة والمتوسطة هو صمام الأمان الدائم الحامى من أى زلازل.
نقلا عن المصرى اليوم