حمدى رزق

خلال احتفالية كبرى فى مدينة «فايمار» الألمانية، وفى حضور «أنالينا بيربوم»، وزيرة الخارجية الألمانية، و«بنيامين إيمانويل هوف»، وزير الشؤون الثقافية والمحلية والأوروبية، كرمت رئيسة معهد جوته، «كارولا لينتز»، الأحد، (28 أغسطس 2022)، الفنان التشكيلى المصرى «محمد عبلة» كأول فنان عربى يحصل على «وسام جوته». متحدثة عن المكرمين بوسام جوته، قالت فى حفل تكريم «عبلة»، فى إشارة إلى المبدعين الملهمين: «إنهم يدعمون الأمل بأن يسهم التبادل الثقافى الدولى خلال الأوقات الصعبة فى خلق مستقبل أكثر إنسانية، وأتمنى أن يكون حصولهم اليوم على وسام جوته دافعًا لهم لمواصلة عملهم». لهذه الأسباب نفسها، رد الفنان الكبير محمد عبلة وسام جوته إلى أصحابه، غير آسف، اعتراضًا وإدانة صريحة لموقف الحكومة الألمانية تجاه العدوان الإسرائيلى على غزة، وقال «عبلة»، فى رفضه البليغ: «موقف الحكومة الألمانية تجاه غزة مُشين.. وأى إنسان لديه ضمير وكرامة عليه أن يتخذ مثل هذا الموقف».

 

«عبلة» يعبر بصدق عن الضمير الثقافى المصرى والعربى والعالمى (الإنسانى بوجه عام)، الضمير المصدوم فى مواقف دول متحضرة، تُحدثك عن مستقبل أكثر إنسانية، وهى تدهس الأرواح البريئة تحت أحذية سياسييها اللامعة، دون أن تجفل أو تحفل بأى معانٍ إنسانية كالتى تتحدث عنها أوسمتها وعناوينها الثقافية البراقة.

 

الفنان الكبير محمد عبلة لم ينم على ضيم، ولم يخاتل، ولم يوالس، لا يكذب ولا يتجمل، الصدق عنوانه، لم يحتمل ضميره فجاجة الازدواجية الغربية، الألمانية نموذجًا، يعلنها صريحة، احتجاجًا على عدم المساواة والكيل بمكيالين والحديث عن الفلسطينيين كأنهم ليسوا موجودين، أو أنهم مش بشر ومش بنى آدمين!!. كلمات «عبلة» بحرفها دون تجميل نابعة من ضمير فنان، وضمير الفنان صاحٍ لا ينام، ولا يكتفى بمصمصة الشفاه، وتغريدة لا تساوى عدد حروفها، وعليكم السلام.

 

حين يصبح الظلم عادة، وقهر الشعوب اعتياديًّا، وذبح الخُدَّج الرضع بأحدث المُسَيَّرات القاتلة، وتحاصر الأساطيل الحربية شواطئ الجوعى، وتسقط عليهم المساعدات من السماء هِبات، فحسب لذَرّ الرماد فى العيون، يصرخ ضمير الفنان، ضمير الإنسان، فى وجه البربرية التى ترسم أسوأ لوحاتها التشكيلية منذ فجر الإنسانية.

 

مواقف مفصلية إزاء مذبحة بربرية تذبح الضمير الإنسانى بدم بارد، نصًّا من بيان رفض الوسام: «ده موقف يهز ضمير أى فنان ومثقف»، قالها «عبلة» مستغربًا مستهجنًا موقف الحكومة الألمانية: «الألمان أنفسهم عانوا كثيرًا من الحروب والقتل والانتهاكات، فكيف لهم أن يوافقوا اليوم على حدوث مثل هذه الانتهاكات فى حق الفلسطينيين؟».

 

مثل هذه المواقف تسجل فى الضمير الإنسانى بحروف من نور، وسبقها بيان أكثر من 2000 فنان حول العالم، اتهموا من خلاله الحكومات الغربية بمساعدة إسرائيل على ما ترتكبه من جرائم حرب فى غزة، وطالبوا بإنهاء الدعم العسكرى والسياسى لإسرائيل.

 

مواقف المبدعين تعبر عن ضمائر حية تُعزينا فى عجزنا وهواننا على الناس، المبدعون رسل الحضارة الإنسانية، وضمائرها الحية، فضلًا عن أنهم سدنتها، وحراس معبدها المؤتمنون على منجزها الأخلاقى.

 

الفنان محمد عبلة ينضم إلى قائمة الشرف، قائمة المبدعين الذين رفضوا جوائز وأوسمة وتكريمات كسرًا لحاجز صوت المقهورين يسمعه العالم، راجعوا سِيَر الرافضين جميعًا، سترون عجبًا، ضمائر حية تمشى

 

بين الناس.

نقلا عن المصرى اليوم