اليوم تحتفل الكنيسة بتذكار استشهاد أسقف سميرنا '>القديس انبا بوليكاربوس أسقف سميرنا وتلميذ معلنا ماريوحنا البشير (٢٩ أمشير) ٨ مارس ٢٠٢٤
في مثل هذا اليوم من سنة 167م. استشهد أسقف سميرنا '>القديس انبا بوليكاربوس أسقف سميرنا الشهيرة بازمير. و تلميذ معلمنا القديس مار يوحنا الرسول والانجيلى بدأ حياته في أواخر الجيل الأول المسيحي وتتلمذ للقديس ماريوحنا الرسول والإنجيلي.
وهو الذي يعنيه الرب بقوله "اكتب إلى ملاك كنيسة سميرنا. هذا يقوله الأول والأخر... أنا اعرف أعمالك وضيقتك وفقرك مع انك غني، وتجديف القائلين أنهم يهود وليسوا يهودا بل هم مجمع الشيطان. لا تخف البتة ممن أنت عتيد إن تتألم به. هوذا إبليس مزمع إن يلقي بعضا منكم في السجن لكي تجربوا ويكون لكم ضيق عشرة أيام. كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة".
وولد حوالي سنة 70 م. وقيل أن سيدة تقية تدعى كالستو ظهر لها ملاك، وقال لها في حلم: "يا كالستو، استيقظي واذهبي إلى بوابة الأفسسيين، وعندما تسيرين قليلًا ستلتقين برجلين معهما ولد صغير يُدعى بوليكربوس (بوليكاربس)، اسأليهما إن كان هذا الولد للبيع، وعندما يجيبانك بالإيجاب ادفعي لهما الثمن المطلوب، وخذي الصبي واحتفظي به عندك..." أطاعت كاليستو، واقتنت الولد، الذي صار فيما بعد أمينًا على مخازنها. وإذ سافرت لأمر ما التف حوله المساكين والأرامل فوزع بسخاء حتى فرغت كل المخازن. فلما عادت كالستو أخبرها زميله العبد بما فعله، فاستدعته وطلبت منه مفاتيح المخازن، وإذ فتحتها وجدتها مملوءة كما كانت، فأمرت بعقاب الواشي، لكن بوليكربوس تدخل وأخبرها أن ما قاله زميله صدق، وأن المخازن قد فرغت، وأن هذا الخير هو عطية الله، ففرحت وتبنته ليرث كل ممتلكاتها بعد نياحتها، أما هو فلم تكن المادة تشغل قلبه.
ومن أعماله أيضًا انه كان يذهب إلى الطريق الذي يعود منه حاملوا الحطب ويختار أكبرهم سنًا ليشترى منه الحطب ويحمله بنفسه إلى أرملة فقيرة.
وقد سامه بوكوليس شماسًا، فكان يكرز بالوعظ كما بقدوته الحسنة، وإذ كان محبوبًا وناجحًا سامه كاهنًا وهو صغير السن. سامه القديس ماريوحنا الحبيب أسقفًا على سميرنا (رؤ2: 8-10)، ويُطلق عليها تاريخيًا أيضًا "إزمير" وقد شهد القديس إيرينيئوس أسقف ليون عن قداسة سيرته (وهو معلمه)، وإنه تعلم على أيدي الرسل، وأنه تحدث مع القديس يوحنا وغيره ممن عاينوا السيد المسيح على الأرض.
وجاهد أيضًا في مقاومته للهراطقة خاصة مرقيون أبرز الشخصيات الغنوسية، وفي أثناء وجوده في روما سنة 154 م. أنقذ كثيرين من الضلال وردهم عن تبعيتهم لمرقيون.
و لما أثار الامبراطور مرقس أوريليوس الاضطهاد علي المسيحيين ألحّ المؤمنون على القديس بوليكربوس أن يهرب من وجه الوالي، فاختفى عدة أيام في منزل خارج المدينة، وكان دائم الصلاة من أجل رعية المسيح. قبل القبض عليه أنبأه الرب برؤيا في حلم، إذ شاهد الوسادة التي كان راقدًا عليها تلتهب نارًا، فقام من النوم وجمع أصدقاءه وأخبرهم إنه سيحترق حيًا من أجل المسيح، وإنه سينعم بعطية الشهادة.
وبعد ثلاثة أيام من الرؤيا عرف الجند مكانه واقتحموا المنزل، وكان يمكنه أن يهرب لكنه رفع عينيه إلى السماء قائلًا: "لتكن مشيئتك تمامًا في كل شئ"، وسلَّم نفسه في أيديهم، ثم قدم لهم طعامًا، وسألهم أن يمهلوه ساعة واحدة يصلى فيها فتعجب الجند من مهابته ووداعته وبشاشته وعذوبة حديثه، حتى قال أحدهم: "لماذا هذا الاجتهاد الشديد في طلب موت هذا الشيخ الوقور؟"
وانطلق مع الجند الذين أركبوه جحشًا، وفي الطريق وجدهم هيرودس أحد أكابر الدولة ومعه أبوه نيكيتاش، فأركبه مركبته، وإذ طلبا منه جحد المسيح ورفض أهاناه وطرحاه من المركبة بعنف فسقط على الأرض وأصيبت ساقه بجرحٍ خطير. عندئذ ركب الجحش وسط آلام ساقه وهو متهلل حتى بلغ إلى الساحة حيث كان الوالي وجمهور كبير في انتظاره.
وإذ نظره الوالي وقد انحني من الشيخوخة وابيضت لحيته سأله، قائلًا: "هل أنت بوليكاربوس الأسقف؟" أجابه بالإيجاب. ثم طلب منه الوالي أن يرثى لشيخوخته وإلا سلمه للعذاب الذي لا يحتمله شاب، ثم أمره أن ينادي بهلاك المنافقين وأن يحلف بحياة قيصر. فتنهد القديس، قائلًا: "نعم ليهلك المنافقون". فذُهل الوالي وقال: "إذن احلف بحياة قيصر والعن المسيح وأنا أطلقك." وضيقوا الخناق علي القديس قائلين:
احلف فنطلق سراحك. اشتم المسيح.
فأجاب القديس انبا بوليكاربوس قائلًا:
ستة وثمانين سنة خدمته ولم يفعل لي ضررا فكيف أجدف علي ملكي الذي خلصني؟
ثم قال له الوالي: إن كنت تستخف بالوحوش فسأجعل النيران تلتهمك، إلا إذا تبت.
فقال القديس بوليكاربوس:
انك تهددني بالنار التي تشتعل ساعة وبعد قليل تنطفئ لأنك لا تعرف نار الدينونة العتيدة والقصاص الأبدي المحفوظ للأشرار ولكن لماذا تتباطأ افعل ما بدا لك.
وأُعد أتون النار، وأرادوا تسميره على خشبة حتى لا يتحرك من شدة العذاب، أما هو فقال لهم: "اتركوني هكذا، فإن الذي وهبني قوة لكي أحتمل شدة حريق النار سيجعلني ألبث فيها بهدوء دون حاجة إلى مساميركم". عندئذ أوثقوا يديه وراء ظهره وحملوه ووضعوه على الحطب كما لو كان ذبيحة تُقدم على المذبح. وكان يصلي شاكرًا الله الذي سمح له أن يموت شهيدًا. وإذ انتهى من صلاته أوقد الجند النيران من كل جانب ففاحت منه رائحة طيب ذكية، وإذا بأحد الوثنيين طعنه بآلة حادة فتدفق دمه وأطفأ النيران، وقد انتقلت نفسه متهللة إلى الفردوس، عام 166 م.
يعيد له اليونان في ٢٥ من شهر ابريل، والأقباط في ٢٩ أمشير.
وكتب القديس بوليكاربوس أسقف سميرنا رسالة إلى أهل فيلبي، تكشف لنا عن حال الكنيسة البكر في أوروبا في القرن الثاني. امتازت الرسالة بغزارة حكمتها العملية، واقتباس الكثير من نصوص الكتاب المقدس، كما عكست لنا روح القديس يوحنا في وداعته كالحمل وهدوئه، مع حزمه في الإيمان والتمسك بالحياة المقدسة.
بركه صلاته تكون معنا امين...
ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين...