د. رامي عطا صديق
إن تحرير العقول الرجعية وتغيير النظرة السلطوية والأفكار السلبية للبعض تجاه المرأة لن يحدث إلا بطريقين يسيران معًا وعلى التوازى هما الثقافة والقانون.
«المرأة، وما أدراك ما المرأة، إنسان مثل الرجل»، عبارة ذكرها المفكر والمصلح الاجتماعى قاسم أمين (1863- 1908م)، صاحب لقب «مُحرر المرأة»، فى كتابه الشهير «تحرير المرأة»، الذى صدر فى القاهرة سنة 1899م، والذى أحدث حراكًا فى الحالة الثقافية والفكرية آنذاك، ورغم تعرضه لكثير من النقد والهجوم بسبب أفكاره التحررية التى تضمنها الكتاب، فإنه كرر العبارة ذاتها فى كتابه «المرأة الجديدة»، الذى صدر فى العام التالى مباشرة سنة 1900م.
واليوم 8 مارس يوافق مناسبة اليوم العالمى للمرأة، وقد بدأ جراء أنشطة الحركات العمالية فى مطلع القرن العشرين فى أمريكا الشمالية وأوروبا، وتم الاحتفال باليوم الوطنى الأول للمرأة فى الولايات المتحدة فى 28 فبراير 1909م، الذى خصصه الحزب الاشتراكى الأمريكى تكريمًا لإضراب العاملات فى مجال الألبسة عام 1908م فى نيويورك، حيث احتجت النساء على ظروف العمل القاسية.
وبحسب الموقع الرسمى لمنظمة اليونسكو، فإنه فى عام 1945م أصبح ميثاق الأمم المتحدة أول وثيقة دولية تؤكد مبدأ المساواة بين النساء والرجال، واحتفلت الأمم المتحدة بأول يوم دولى رسمى للمرأة فى 8 مارس خلال السنة الدولية للمرأة فى عام 1975م، وفى ديسمبر 1977م اعتمدت الجمعية العامة قرارًا يقضى بإعلان يوم الأمم المتحدة لحقوق المرأة والسلام الدولى فى أى يوم من أيام السنة من قِبَل الدول الأعضاء، وفقًا لتقاليدها التاريخية والوطنية.
والأسبوع المقبل، يوافق 16 مارس يوم المرأة المصرية، وتعود قصته إلى مشاركة نحو «300» فتاة وسيدة فى مظاهرات ثورة سنة 1919م، كما وقّعن احتجاجًا مكتوبًا، وقدمنه للمعتمد البريطانى أعلنَّ فيه رفضهن الحماية البريطانية على مصر، وشهد هذا اليوم أولى شهيدات الثورة برصاص الإنجليز، ومنهن السيدة حميدة خليل والسيدة شفيقة محمد، وفى تلك الفترة برزت سيدات عظيمات، منهن صفية زغلول وهدى شعراوى وإستر فهمى ويصا وبلسم عبدالملك وغيرهن.
وبعد نحو أربع سنوات، فى 16 مارس 1923م، تأسس الاتحاد النسائى المصرى بواسطة مجموعة من رائدت النهضة النسائية آنذاك، تتقدمهن السيدة هدى شعراوى، هدفه الدفاع عن حقوق المرأة المصرية ورفع الوعى بمكانتها وتقوية دور المرأة وتفعيل مشاركتها فى المجتمع وتحقيق المساواة بين الجنسين.
ولعل التاريخ خير شاهد على عظمة المرأة المصرية ومكانتها، حيث كانت المرأة وعبر التاريخ مساندة للرجل، وتظهر بجواره تشد من أزره وتساعده، ما يظهر فى بعض الآثار والجداريات التى توثق الحياة اليومية للمصريين القدماء، وفى تاريخ مصر الحديث والمعاصر فإن نساء كثيرات برزن فى مختلف المجالات، فى السياسة والاقتصاد والعلم والتعليم والثقافة والأدب والرياضة والفن والصحافة والإعلام والعمل الاجتماعى والنشاط العام.
إن إنجازات كثيرة حققتها المرأة المصرية، حيث أصبحت وزيرة وسفيرة وعضوًا بالمجالس النيابية والمحلية، والأحزاب السياسية، والنيابة والقضاء، وتأسس المجلس القومى للطفولة والأمومة بالقرار الجمهورى رقم «4» لعام 1988م، والمجلس القومى للمرأة بالقرار الجمهورى رقم «90» لعام 2000م.
وليس خافيًا أن البعض يدّعِى أن المرأة المصرية قد أخذت أكثر مما تستحق، ويرفض الكثير من المكاسب التى حققتها، ويتندر بعض آخر بالحديث عن حقوق الرجل أمام تنامى تطلعات المرأة!!، وحقيقة الأمر أن الرجل والمرأة لن يتمتعا بحقوقهما إلا فى ظل مبدأ المواطنة، الذى ينص عليه الدستور المصرى فى المادة الأولى منه، حيث تعنى المواطنة المشاركة والمساواة فى الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تفرقة ودون تمييز، وتأكيد الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمصارحة والشفافية والأخذ بالكفاءة وتكافؤ الفرص.
ومن هنا فإن تحرير العقول الرجعية وتغيير النظرة السلطوية والأفكار السلبية للبعض تجاه المرأة لن يحدث إلا بطريقين يسيران معًا وعلى التوازى، هما الثقافة والقانون، ونقصد تطوير الثقافة وتحديثها باعتبارها أسلوب حياة، عبر مختلف مؤسسات التنشئة الاجتماعية مثل مؤسسة الأسرة والمؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والفنية والرياضية والإعلامية والمنظمات الأهلية، وعبر القانون من خلال إصدار تشريعات ملزمة لجميع المواطنين ومؤسسات الدولة.
إن السيدات بحق نساء للخير.. داخل البيت يقمن بدورهن فى تربية الأطفال وتنشئتهم وحماية منظومة الأسرة والعائلة، وفى الخارج لا يتأخرن عن كل عمل صالح للوطن والمجتمع الإنسانى.
نقلا عن المصرى اليوم