سمير عطا الله
يريد الأمين العام، الدكتور أحمد أبوالغيط، إبداء الملاحظات على زاويتين: الأولى، على تصريح وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن، بأن 25 ألف طفل وامرأة قُتلوا فى غزة حتى الآن. يقول: هذه وحشية الغرب. وحشية الجماعة التى تقاتلت فى حربين عالميتين.
أمريكا ترسل مساعدات غذائية إلى غزة بيد، وترسل الأسلحة إلى إسرائيل بيد أخرى.
أقاطع رئيس الدبلوماسية العربية: هل هذا الكلام للنشر؟ وهل هو جديد؟ هذا رأى الأمين العام فى سياسات الغرب وسلوكه منذ سنوات طويلة، لكن فى أى حال ليس هذا سبب الاتصال. السبب مقال آخر عن فيلم رأفت الميهى «الأفوكاتو». ففى الحديث عن صور الميهى الرائعة قلت إنه يرسم المدينة المصرية «التعسة» بروعة محزنة. خطأ. مفيش حاجة فى مصر اسمها مدينة «تعسة». آه، هناك مدينة فقيرة معوزة، لكن «تعسة»؟ مفيش.
يقول الأمين العام مصححًا هذا الخطأ الكبير فى حق مصر: «أنا من سكان الريف. وعندما أعود إلى منزلى أشاهد فى القرى أعراسًا، وأسمع صخبًا واحتفالات وجلبة وغناء وموسيقى وزفّات، وأرى أضواء ساطعة لا يضيئها إلا الحمقى فى بلد يعانى مشكلات الطاقة».
يحق لك، ربما، أن تقول إن المصرى فقير، أما أن تقول إنه «تعس»، خصوصًا وأنت المحبِّر الذى قال الدكتور مصطفى الفقى إنك تعرف مصر أكثر من المصريين.
حاولتُ أن أشرح لسعادة الأمين العام أن التعاسة مجرد وصف شائع يُستخدم للتشديد على حالة معينة. وقال إنه يعرف ذلك تمامًا، وينطبق على سائر شعوب الأرض... إلا مصر. لقد عثرتْ مصر على الدعابة والضحكة، والابتسامة فى ذروة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل فى حالات الحرب والكفاح.
الفقر فقر، أما التعاسة فهى استسلام، خضوع، جهل بالتحايل على ظلم الحياة ومرارتها. لا يا سيد. مصر تغنّى وترقص وتضحك وتتحايل على الفقر بالكشرى، والطعمية، وشم النسيم، وشكوكو، وعادل إمام، وفوق ذلك كله آخر نكتة، وشعبولا يحب عمرو موسى ويكره إسرائيل.
تعسة؟ مصر تعسة؟ توقف أمين عام الجامعة أمام فظاعتين: الأولى التوحش الغربى فى غزة، والأخرى الخلط بين الفقر والتعاسة فى مصر. أغبط المصريين على أشياء كثيرة، أولها مصر، والنيل على معظم ضفافه، ويوسف إدريس، وأحمد بهاء الدين، وتحية كاريوكا، والمعادى، وكُتاب وناشر «المصرى اليوم»، وغروبى، والإسكندرية، والفيوم التى دلَّنى عليها الرائع محمد الشارخ، اللهم ترأف به وبأمثاله من الرواد.
لا تمر فترة إلا وأتعلم من الأمين العام شيئًا. غالبًا فى أواخر الكتب أو أوائل المراجع. هذه المرة كان الدرس فى الوجود: الفرق بين الفقر والتعاسة، المصرى أقوى من فقره.
* نقلًا عن صحيفة «الشرق الأوسط»
