القمص يوحنا نصيف
تأملّات فى أناجيل أيّام الصوم الكبير
1 / 22
أحـــد الرفــــاع
الإنجيل من متى (6: 1-18)
«اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ ٱلنَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلَّا فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلَا تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِٱلْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ ٱلْمُرَاؤُونَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي ٱلْأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ ٱلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلَا تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً. وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلَا تَكُنْ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي ٱلْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا ٱلشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَٱدْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لَا تُكَرِّرُوا ٱلْكَلَامَ بَاطِلًا كَٱلْأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلَامِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلَا تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لِأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. فَصَلُّوا أَنْتُمْ هَكَذَا: أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ ٱسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا ٱلْيَوْمَ. وَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. لِأَنَّ لَكَ ٱلْمُلْكَ، وَٱلْقُوَّةَ، وَٱلْمَجْدَ، إِلَى ٱلْأَبَدِ. آمِينَ. فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ ٱلسَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ، لَا يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَلَّاتِكُمْ. وَمَتَى صُمْتُمْ فَلَا تَكُونُوا عَابِسِينَ كَٱلْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ ٱسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَٱدْهُنْ رَأْسَكَ وَٱغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لَا تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لِأَبِيكَ ٱلَّذِي فِي ٱلْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ ٱلَّذِي يَرَى فِي ٱلْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلَانِيَةً».
يضع إنجيل أحد الرفاع الخطوط الرئيسيّة لمنهج الصوم والصلاة وعمل الرحمة. وهي في الواقع تقديم ذبيحة مقبولة لدى الآب..
وباختصار شديد لا توجد ذبيحة سَرّتْ قلب الآب سوى ذبيحة ابنه الذي قدّمها على الصليب. وقد أشركنا المسيح الذي أحبّنا في ذبيحته، لكي به وفيه ومن خلال صليبه، نُقَدِّم كلّ عبادة للآب.
فنحن نصلِّي إلى الآب في الخفاء، بالمسيح يسوع ربنا، وأبونا الذي يَطّلِع على الأعماق، يجازينا علانيةً.
ونُقَدِّم أعمال الرحمة باسم يسوع ابن الآب بالحقّ والمحبة. ونعملها بعيدًا عن معرفة اليد الشمال، التي تُمثّل التدبير المرفوض من رياء الفرّيسيّين وحُبّ الظهور.. نقدّم أعمال الرحمة كذبيحة من خلال بذل صليب المسيح. وأبونا يرى أعماق حبّنا، وأحشاء الرحمة التي تَعمل فينا، ويَفرح بنا، ويجازينا علانيةً.
وهكذا من جهة الصوم أيضًا نُقدِّم ذبيحة أجسادنا، مَرضِيّة مُقدّسة مقبولة برأفة الله، كما يقول الرسول، مِن خلال مَن صام عنّا أربعين يومًا وأربعين ليلةً، ليُرضي قلب الآب، ويُقدِّس جسد البشريّة، ويُقدِّمه طاهرًا مُطَهَّرًا، بحسب مسرّته ومشيئته..
وحين نصوم بالمسيح وفيه، نكون قد حَمَلنا نير المسيح على أجسادنا، لمسرّة مشيئة الآب، مُنقادين بروح الله كأبناء للآب، فيَقبَل ذبيحة صومنا، وينعم علينا بما لم تره عينٌ.
إنّ التأمُّل في إنجيل كلّ يوم من أيّام الصوم، يَصلُح أن يكون زادًا تتزوّد به النفس للشبع، حين تَملأ آيات الإنجيل جوف الإنسان، إذ يكون بالصوم قد كَفَّ عن طلب الطعام البائد، وابتدأ يَعمل بجدّيّة لطلب الطعام الباقي للحياة الأبدية.
القمص لوقا سيداروس