القمص لوقا سيداروس
 2 / 22 يوم الاثنين من الأسبوع الأول
الإنجيل من مرقس (9: 33 -50)
«وَجَاءَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ. وَإِذْ كَانَ فِي ٱلْبَيْتِ سَأَلَهُمْ: بِمَاذَا كُنْتُمْ تَتَكَالَمُونَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. فَسَكَتُوا، لِأَنَّهُمْ تَحَاجُّوا فِي ٱلطَّرِيقِ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ فِي مَنْ هُوَ أَعْظَمُ. فَجَلَسَ وَنَادَى ٱلِٱثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ لَهُمْ: إِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا فَيَكُونُ آخِرَ ٱلْكُلِّ وَخَادِمًا لِلْكُلِّ. فَأَخَذَ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ ثُمَّ ٱحْتَضَنَهُ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ قَبِلَ وَاحِدًا مِنْ أَوْلَادٍ مِثْلَ هَذَا بِٱسْمِي يَقْبَلُنِي، وَمَنْ قَبِلَنِي فَلَيْسَ يَقْبَلُنِي أَنَا بَلِ ٱلَّذِي أَرْسَلَنِي. فَأَجَابَهُ يُوحَنَّا قَائِلًا: يَا مُعَلِّمُ، رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِٱسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا، فَمَنَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَتْبَعُنَا. فَقَالَ يَسُوعُ: لَا تَمْنَعُوهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصْنَعُ قُوَّةً بِٱسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعًا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرًّا. لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ عَلَيْنَا فَهُوَ مَعَنَا. لِأَنَّ مَنْ سَقَاكُمْ كَأْسَ مَاءٍ بِٱسْمِي لِأَنَّكُمْ لِلْمَسِيحِ، فَٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَهُ. وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ ٱلصِّغَارِ ٱلْمُؤْمِنِينَ بِي، فَخَيْرٌ لَهُ لَوْ طُوِّقَ عُنُقُهُ بِحَجَرِ رَحًى وَطُرِحَ فِي ٱلْبَحْرِ. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَقْطَعَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ يَدَانِ وَتَمْضِيَ إِلَى جَهَنَّمَ، إِلَى ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لَا تُطْفَأُ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَٱقْطَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ ٱلْحَيَاةَ أَعْرَجَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ رِجْلَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ فِي ٱلنَّارِ ٱلَّتِي لَا تُطْفَأُ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ. وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَٱقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ ٱللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمِ ٱلنَّارِ. حَيْثُ دُودُهُمْ لَا يَمُوتُ وَٱلنَّارُ لَا تُطْفَأُ. لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُمَلَّحُ بِنَارٍ، وَكُلَّ ذَبِيحَةٍ تُمَلَّحُ بِمِلْحٍ. اَلْمِلْحُ جَيِّدٌ. وَلَكِنْ إِذَا صَارَ ٱلْمِلْحُ بِلَا مُلُوحَةٍ، فَبِمَاذَا تُصْلِحُونَهُ؟ لِيَكُنْ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِلْحٌ، وَسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا».

 مَن هو الأعظم؟
    فِكر بَشَرِي صِرف، جال في خاطر التلاميذ.. وهو بالنسبة للعالم يُعتبر قانونًا، يسود فكرَ الناس على الأرض كلّها.. بل وأكثر من هذا، فالسعي في العالم كلّه نحو «مَن هو الأعظم». ولكن فكر المسيح –إله الإخلاء وربّ الاتضاع– الوديع، المتواضع القلب، يَفتَح البصيرة، ويُحَوِّل اتّجاه الفِكر البشري.. وبدون المسيح لا يُدرِك الإنسان أو يستسيغ أن يتّضع.

 المسيح وهب لنا هذه النعمة إذ أعاد خلقتنا.. فأصبحنا كالطفل الذي احتضنه المسيح بِحُبّ، إذ أنّ فِكر الطفل يعادل ما يجب أن تكون عليه حالتنا الداخليّة، إذ أنّنا في المسيح نكون قد بَلَغنا إلى هذه القامّة المُحبّبة، التي يُحبّها كلّ أحدٍ، وبلا تمييز. فالطفل محبوب من الكلّ، ويُنظَر إليه دائمًا بحُبٍّ وحنوّ.
 وهذا يَنزَع الأمراض التي لحقَتْ بالطبيعة البشريّة الساقطة، مِن حُبّ الظهور، والمراكز الأولى، وحُبّ الاقتناء، والعظمة الكاذبة، وكلّ ما يَخُصّ الكبرياء والتعالي على الآخرين.

 ما أجملها قامة، وما أسعدها أيّام، حين يعيش الإنسان بريئًا كطفلٍ محبوبٍ، مُدَلّلاً من الله، ومقبولاً من جميع الناس.

 حينما تَزهَد فيما للناس، وتتنازَل عن ذاتك، تكون قد بدأتَ أيّام الفرح فى الصوم، وهي كأيّام السماء على الأرض. فإنْ بدأتَ أوّل أيّام الصوم بقامة الطفولة والبراءة هذه، فماذا يكون كمال الصوم؟ حَقًّا إنّ الخطوة الأولى نحو الكمال هي الاتضاع.. طوبى للمساكين بالروح، هي أُولى التطويبات.

 أقام يسوع هذا الطفل في وسط الرسل الأطهار، وهو مقيمه في وسط الكنيسة، لكي يتطلّعوا إليه كوسيلة إيضاح دائمة في الكنيسة.. هل يَمُرّ يوم دون أن ترى طفلاً في الكنيسة؟ إنّها وسيلة إيضاح سهلة ومتوفّرة.. ليتني كلّما أنظر إلى طفل أتذكّر كلام الرب، ومنهج فكر المسيح.. لقد تذكّر بطرس كلام الربّ بصياح الديك، فتحرّكت أحشاؤه بالتوبة، وانفجرت ينابيع الدموع من عينيه.

 + «رَأَيْنَا وَاحِدًا يُخْرِجُ شَيَاطِينَ بِاسْمِكَ وَهُوَ لَيْسَ يَتْبَعُنَا فَمَنَعْنَاهُ»، هكذا قال القديس يوحنا ابن الرعد.. الغيور. قال له الرب: «لاَ تَمْنَعُوهُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَصْنَعُ قُوَّةً بِاسْمِي وَيَسْتَطِيعُ سَرِيعًا أَنْ يَقُولَ عَلَيَّ شَرًّا».

 للرب تلاميذ كثيرون وتابعون كثيرون، مِمَّن لسنا نعرفهم.. مادام الآخر يصنع قوّة باسم يسوع.. ومادامت ليست آيات كاذبة، أو من عمل المخادع، فلا اعتراض.. المهمّ سلامة الإيمان بيسوع.. فالذين أرادوا أن يضيفوا على آلام القديس بولس الرسول وقيوده آلامًا.. طافوا يكرزون بيسوع، حتى إذا سُمع ذلك من الحُكام نَسَبوا ذلك إلى الرسول بولس، وزادوه آلامًا وأتعابًا..

    فالقديس بولس الرسول لما سَمع ذلك، كان يفرح إنّه يُنادَى باسم يسوع.. سواء بحقٍّ أو بعِلّةٍ، ولكن في الحالتين كان يُنادَى باسم يسوع ابن الله الحيّ، بكلام الإيمان الصحيح وصِدق العقيدة في المسيح يسوع.

+ «إِنْ أَعْثَرَتْكَ يَدُكَ فَاقْطَعْهَا... وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ رِجْلُكَ فَاقْطَعْهَا... وَإِنْ أَعْثَرَتْكَ عَيْنُكَ فَاقْلَعْهَا. خَيْرٌ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ أَعْوَرَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ عَيْنَانِ وَتُطْرَحَ فِي جَهَنَّمَ النَّارِ».

 هذا هو قانون الصوم الصارم، ضدّ جنوح الجسد وعثرته، التي قد تُودِي بالحياة كلّها، وتَجُرّ كيان الإنسان كلّه إلى الهلاك. إذن يجب أن يَصِل الجهاد الروحي إلى هذا الحدّ الجاد والحازم معًا.

    وماذا إذا كانت الإرادة قد تهاونت؟
    وماذا إذا كان الإنسان أَطلَقَ لشهواته العَنان؟
    وماذا إذا كانت الخطيّة عادت ومَلَكَت على الكيان؟

 هنا يكون الصوم بداية الشفاء، حينما يصير الصليب وذبيحة الصليب ماثلة أمام الإنسان. وفي حالة الاعتراف بالخطايا، والإقرار بالعجز عن السيطرة في التحكم في تصرّفات العين واليد والرجل، يصير الصوم والصلاة قوة باسم يسوع المسيح تُخرِج الشيطان، هذا الذي «كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ» (يو8: 44).
القمص لوقا سيداروس