محمد أبو الغار

وصلتنى دعوة، منذ شهرين، لزيارة المعالم الأثرية فى المدينة ومقابلة الأسقف وإلقاء محاضرة للكهنة فى إبراشية سمالوط. ذهبت بالسيارة من الطريق الغربى، وهو طريق جيد جدًّا، ووصلنا إلى الضفة الشرقية من النيل عبر طريق عمره ٤ سنوات وكوبرى جديد، وهو ما جعل الوصول سهلًا إلى هناك بدلًا من المعديات البدائية التى كانت تُستخدم من قبل.

 

وصلت إلى لوكاندة جميلة ونظيفة بها ٤٠ غرفة قامت الإبراشية ببنائها حديثًا، وهى فندق سياحى متميز وموقعه رائع، إذ تشاهد الوادى ونهر النيل ومدينة سمالوط من ارتفاع ٨٠ مترًا، ومنظر غروب الشمس من بلكونة الغرفة رائع. الفندق يقع بجوار الدير وكنيسة جبل الطير الأثرية، وكانت فى انتظارى السيدة نيفين ناجى، أحد مساعدى الأسقف للمشروعات التعليمية، وصحبتنى فى جولة فى الكنائس الأثرية ومعالم المدينة. الكنيسة الأثرية هى كنيسة السيدة العذراء، التى بُنيت فى القرن الرابع الميلادى فى عصر الإمبراطورة هيلانة، وهى أحد الأماكن التى توقفت فيها السيدة العذراء بصحبة يوسف النجار أثناء رحلتها فى مصر، والتى بدأت فى العريش وانتهت فى دير المحرق. وداخل الكنيسة يوجد مكان قالوا لى إنه الذى وصلت إليه السيدة مريم عن طريق قارب فى النيل، وتوجد سلالم قديمة تصل إلى الدير.

 

يُعتبر مولد السيدة العذراء فى جبل الطير هو ثانى أهم مولد مسيحى بعد المولد الذى يُعقد فى القوصية بدير المحرق. وزوار الدير أثناء المولد فى نهاية مايو وأوائل يونيو يُقدرون بأكثر من ٢ مليون شخص من الأقباط، وأيضًا من المسلمين الذين يتباركون بالسيدة العذراء. الاحتفال بالمولد يستمر أسبوعًا من الخميس إلى الخميس التالى، وتُقام المراجيح والألعاب المختلفة، وينتشر الباعة من كل الأصناف. وشاهدت بالمصادفة فى الفندق مجموعة من الأصدقاء فى رحلة سياحية إلى هناك، وهناك سياحة أجنبية لجبل الطير تزداد بعد بناء الفندق.

 

بعد ذلك أخذنا سيارة انتقلت بنا إلى غرب النيل، ودخلنا إلى مدينة سمالوط لزيارة كنيسة مارينا الأثرية التى يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادى، وتم ترميمها عام ١٨٦٥، وأُعيد ترميمها بطريقة أثرية أعادتها إلى حالتها القديمة، وبها أربعة أعمدة أثرية وبئر ماء، وبها مغطس كان يُستخدم يوم ١١ طوبة فى عيد الغطاس فقط. والكنيسة بها أيقونات قديمة وكتب أثرية مكتوبة بالقبطية والعربية، وقد طاف بنا فى أرجاء الكنيسة أبونا أمونيوس.

 

ثم ذهبنا لزيارة كنيسة الشهداء، وهى كنيسة حديثة بُنيت تخليدًا لذكرى استشهاد الفلاحين من سمالوط، والذين تم ذبحهم فى حادث كارثى مؤلم ومخيف فى ليبيا بواسطة مجموعة من داعش منعدمى المبادئ الإنسانية والأخلاق. وقد قام الأسقف ببناء كنيسة كبيرة بها صور الشهداء وتماثيل لهم بأسمائهم، ووُضعت ملابس كل منهم فى مكان زجاجى، ودُفن الشهداء فى مكان واحد. الساحة كبيرة، وبها الكنيسة التى يزورها مئات الزوار من كل مكان. وقابلَنا أبونا أثانثيوس، وبعد الزيارة عزمنا على كاكاو ساخن، أصر على أنه مستورد من ألمانيا، وكان ظريفًا خفيف الدم.

 

وزرنا كنيسة أبسخرون القللينى، والقصة التى تُروى أن هذه الكنيسة كانت فى مدينة قللين فى كفر الشيخ وهاجمها البعض، بينما الأهالى داخل الكنيسة يصلون، فانتقلت الكنيسة بأهلها إلى سمالوط لإنقاذ المصلين، الذين وجدوا أنفسهم فى مكان آخر.

 

أثناء دخولى الشوارع الضيقة لاحظت أمرين، أولهما هو الفقر الشديد لهذه المناطق، وهو يعكس حالة القرى، خاصة فى الصعيد، ثم لاحظت أن جميع البيوت فى هذه المنطقة أبوابها من الحديد المصمت، وهو كذلك منذ سنوات طويلة جدًّا، وشاهدت مثلها فى نجع حمادى، وهى تعنى فى تقديرى الخوف وعدم الأمان.

 

شاهدت ظاهرة تحتاج للعمل الفورى، وهى مشروع الصرف الصحى للريف المصرى، والذى بدأت الدولة تنفيذه منذ سنوات، وتم شراء المواسير الضخمة له، وحفر مناطق، ثم توقف المشروع فى الكثير من قرى مصر، وربما هذه المواسير باهظة الثمن، وهى ملقاة فى ريف مصر فى قرى كثيرة، قد تصبح غير صالحة للاستعمال، وكذلك جزء من الأراضى التى تم حفرها رُدم بفعل الوقت أو لتسهيل مرور الناس. أعتقد أن هذا المشروع يحتاج إعادة إحياء لأهميته القصوى. الريف، خاصة فى الصعيد، محتاج طفرة فى الخدمات العامة والتعليم والصحة.

وفى اليوم التالى دُعيت إلى مقابلة الأنبا بفنوتيوس، أسقف ورئيس الكنيسة فى مركز سمالوط، وتتبعه ٧٢ كنيسة منتشرة فى المدينة والقرى المختلفة فى المركز. الأسقف طبيب خريج طب عين شمس عام ١٩٧١، ثم وهب حياته للرهبنة، وهو مسؤول عن سمالوط منذ ٤٨ عامًا، وله عدد من المعاونين يساعدونه فى تنفيذ مشروعات التنمية التى يقوم بها، فقد أنشأ مدرستين، إحداهما بنظام المدارس الحكومية، والأخرى مدرسة لغات يدرس التلاميذ فيها الإنجليزية والفرنسية ابتداءً من الحضانة، ويحضر مدرس فرنسى ترسله فرنسا لتدريس اللغة للمساعدة فى نشر الفرنسية، والمدرسة بها ٢٣٠٠ تلميذ، وهم من الأقباط والمسلمين، وكذلك المدرسون والموظفون، والمدرسة بها ملاعب رياضية وحمام سباحة، وهو شىء غير مسبوق فى مركز صغير فى الصعيد. ويحقق تلاميذ المدرسة مراكز متقدمة فى الشهادات العامة على مستوى الجمهورية ومستوى المحافظة، وتُعتبر نتائج المدرسة الأعلى على مستوى محافظة المنيا.

 

وهناك مستشفى حديث متقدم، تم توسيعه بأقسام مختلفة، وهو على مستوى عالٍ، وبه ٢٠٠ سرير، وهو عدد ضخم جدًّا مقارنة بمستشفيات كبيرة فى القاهرة والإسكندرية.

 

وأدى إنشاء الفندق والتطوير إلى تشجيع السياحة لسمالوط وإدراجها كمحطة أساسية فى البرنامج السياحى لوسط الصعيد، ضمن مسار العائلة المقدسة لدير العذراء مريم بجبل الطير، كما شمل التطوير الأشمونين وتونة الجبل وتل العمارنة وبنى حسن، بالإضافة إلى سمالوط، وهذه الأماكن بها آثار فرعونية ومسيحية وإسلامية.

 

ويوجد جنوب سمالوط المسجد العتيق الذى بناه الفاطميون منذ ألف عام، وله مئذنة مائلة، ومبنية من الطوب اللبن.

وبعد لقائى مع الأسقف فى مكتبه، والذى استمر حوالى ٤٠ دقيقة، تبادلنا خلالها حديثًا شيقًا، انتقلنا إلى قاعة محاضرات أنيقة مجهزة بوسائل الإيضاح الإلكترونية والكمبيوتر، وقمت بإلقاء محاضرة عن كتابى «الفيلق المصرى»، وهو يحكى الكارثة التى حدثت لنصف مليون فلاح، معظمهم من الصعايدة، أُلقى بهم للعمل مع الجيش البريطانى فى الحرب العالمية الأولى، واستُشهد منهم عشرات الآلاف. وتمت مناقشة عميقة مع حوالى ١٢٠ كاهنًا من مختلف كنائس سمالوط.

 

شكرًا للأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط، الذى قدم خدمة جليلة للمدينة وأهلها ولمصر.

 

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.

نقلا عن المصرى اليوم