بقلم الشماس الإكليريكي أمجد سمير شفيق حنا
دبلوم الدراسات القبطية

يحتفل  الأقباط ببداية الصوم المقدس الذي يطلق عليه الصوم الأربعيني الذي صامه السيد المسيح على جبل التجربة وجرب من إبليس  وقد صام في العهد القديم اثنين من الأنبياء أربعين  يوما وهما موسى النبي ليستلم الشريعة  وإيليا النبي عندما هرب من وجه إيزابل والصوم الأربعيني له مكان عظيمة عند الأقباط فيرتبط بممارسه الصدقة وعمل الرحمة مع الجميع  والصلاة من قداسات وميطانيات(كلمة يونانية تعني تغيير النية أي سجود ) ويشبه الآباء  الصوم والصلاة والصدقة مثل النسر له جناحين فالصلاة لا تصعد إلى السماء إلا بجناحي الصدقة والصوم ويطلق عليه الآباء الخزين الروحي وربيع الحياة الروحية

 وقال  القديس القمص بيشوي كامل" الصوم هو الوسيلة لضبط الأهواء والشهوات حتى تنسجم حياة المسيحي مع روح الله الذي يقوده في طاعة وخضوع "

 فالصوم  في المفهوم الأرثوذكسي ليس صوم الجسد ولكن صوم القلب واللسان والحواس عن فعل الخطية  فلا نصوم بالملح والماء والطعام ونأكل أجساد الناس بالغيبة والنميمة والحسد

فالصوم هو صون للجسد وهو السعي نحو  الفضيلة وترفع  الجسد عن الأرضيات وعن الإهتمامات العالمية والبعد عن الرياء  وكما قال القديس القمص ميخائيل البحيري المحرقي: "من يعمل الفضيلة ابتغاء المجد الباطل كفاعل بلا أجر"

ولابد من فترة إنقطاع عن الطعام ويتناول الصائم بعدها طعاما خاليا من الدسم الحيواني
ويقول   القديس القمص ميخائيل البحيري أيضا عن الصوم:" الصوم للمؤمن فاتحة عهد سلام بين الروح والجسد فإذا خضع الجسد ومارس الصوم أعتبر ذلك إذلالا له وكبحا لجماحه الخطر وعد ذلك منه قبولا ورضاء بتلبيه مطالب الروح ويمكننا إعتبار الصوم أول بند من بنود معاهدة الصلح بين الروح والجسد لهذا روض طالبوا   أجسادهم بالأصوام  في ممارسة الفضائل"

 ففي الصوم المقدس يسعى الجميع للتعبد والإنعكاف وعمل الخير وتقديم الخير لكل الناس لتقديم ذبيحه حب لله والأديرة تغلق أبوابها لكي يعيش الرهبان في هدوء وسكون بين التسابيح والتراتيل وممارسة الفضائل الروحية وتلاوه الكتاب المقدس وقراءته

 وأما عن بركات الصوم فيكتب البابا تواضروس الثاني في كتابه (خطوات ): للصوم بركات كثيرة منها  إستجابة الصلوات لأنه عندما تحيا حياة الصوم تشعر بالإنسحاق والخشوع وتخرج صلواتك من داخلك عميقة  وتدخل فيها روح الإيمان بركة أخرى من بركات الصوم أن يصير الرب لذة للإنسان فأنت تصوم عن الطعام لكي تتحول لذه الطعام في داخلك إلى لذه للرب بركة أخرى من بركات الصوم أن الإنسان يشعر بإرتفاعه وكما يقول داود النبي «لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ، فَأَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ "(مز 55: 6) و من بركات الصوم أيضا  أن الإنسان ينال الصحة الجسدية فالطعام النباتي يمنح الإنسان شكلا من أشكال الطاقة الهادئة فلا يكون الطعام مثير في جسده أو في حياته فيعطيه صحة جسدية كما يقول اشعياء النبي: «حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ."أش 58:8 ) أيضا في الصوم ينال الإنسان إستنارة ولا أقصد للعين الجسدية ولكن للعين القلبية عندما يقرأ الإنجيل يفهم أكثر وعندما يشارك في التسبيح يعيش أكثر وعندما يمارس ميطانيات يتمتع أكثر"

أما  عن ترتيب القراءات خلال الصوم الكبير هناك كتاب طقسي في الكنيسة القبطية الإرثوذكسية  يسمى قطمارس الصوم الكبير وقطمارس(كلمة يونانية  نصيب اليوم من القراءات) وينقسم إلى جزئين أحدهم  للنصف الأول من الصوم المقدس والثاني للنصف الأخير ويتميز قطمارس الصوم الكبير بإستخدام نبوات العهد القديم  في صوم يونان وفي الصوم المقدس الكبير فله نبواته تقرأ خلال صلاة رفع بخور باكر بعد أن يصلي الأب الكاهن (إفنوتي ناي نان ) أي ( اللهم ارحمنا) ويستمر هذا النظام خلال الصوم كله لتظهر لنا الكنيسة ما حدث للرب تنبأ عنه الأنبياء وبذلك تهيئ لنا فرصة للعبادة والتأمل في الله وحفظ لنا قطمارس الصوم المقدس الأسفار القانونية مثل سفر طوبيا ويشوع بن سيراخ وتتمة سفر دانيال  وسفر الحكمة

أما عن قطمارس أسبوع الآلام أو البصخة المقدسة يختص بقراءات ساعات البصخة وخميس العهد والجمعة العظيمة حتى عيد القيامة المجيد قد كان المسيحيون الأوائل في مصر يحتفلون بأسبوع الآلام منفصلا عن الصوم الكبير

حتى عهد البابا ديمتريوس الكرام الثاني عشر من  بابوات الكرسي المرقسي الذي عقد مجمعا وقرر أن يكون أسبوع الآلام متصلا بالصوم الأربعين المقدس وأعلم البابا ديمتريوس أخوته أساقفة أورشليم وأنطاكيا وروما بميعاد عيد الفصح (عيد القيامة المجيد )وقرر أن يكون بعد عيد الفصح اليهودي أو في الأحد الواقع بعده وكان المسيحيون في أسبوع الآلام يقرؤون الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد

ولما جلس البابا غبريال الثاني بن تريك وهو البابا السبعون سنة 1131م  فقد جمع آباء الكنيسة وعلمائها وبعض رهبان دير أبي مقار وتفاهم معهم على وضع قراءات محددة ومناسبة لأسبوع الآلام فرتبوا كتاب البصخه بما فيها من قراءات وصلوات ليلية ونهارية وفي عهد الأنبا بطرس أسقف البهنسا تم ترتيب صلوات ساعات البصخة الليلية والنهارية إذ  عكف هذا الأب الجليل على ترتيبها بوضعها الحالي حيث وجد أن بعض السواعي تحوي عددا أكبر من غيرها فقام بعمل موازنه بينها ورتبها ونظم عظات من أقوال القديسين أمثال الأنبا شنودة رئيس المتوحدين والقديس الأنبا أثناسيوس الرسولي والقديس يوحنا الذهبي الفم لتتلى صباحا ومساء ووضع نظام قراءة الأناجيل الأربعة فيقرأ الإنجيل بحسب  القديس متى يوم الثلاثاء والإنجيل بحسب القديس مرقس يوم الأربعاء والإنجيل بحسب القديس لوقا يوم الخميس والإنجيل بحسب القديس يوحنا ليلة القيامة المجيدة

ومن الملاحظات الطقسية خلال الصوم الكبير في  29 برمهات هو عيد البشارة (نحتفل بالأعياد السيدية البشارة والميلاد والقيامة) ويصلى باللحن الفرايحي ويكون في وسط الصوم الكبير ولكن الصوم الكبير له ألحانه ونغماته وطريقته التي تحس النفس على التذلل والخشوع والخضوع وطلب الرحمة لكل الخليقة وللإنسان تاج الخليقة

واذا جاء أي عيد سيدي كبير وصغير في الفترة من جمعة ختام الصوم(تم تعديل بقرار مجمع مقدس في صلاة عيد البشارة هذا العام في جمعة ختام الصوم مع ممارسة طقس القنديل الجماعي يوم الخميس وكذلك النبوات )  حتى عيد العنصرة لا تقرأ قراءات العيد لأن البصخة  المقدسة والخماسين المقدسة مناسبات أقوى من أي مناسبات أخرى

وقد حفظت لنا الأمثال الشعبية اهمية الصوم فقال المصري :
 (عاش النصراني ومات وما أكلش لحمة برمهات)

(عاش النصراني ومات وما داق اللبن في برمهات )وبرمهات أحد الشهور القبطية ويمثل بداية فصل الحصاد ويقع في الصوم الكبير وهي الفترة التي يكون فيها عدد من الأعياد المسيحية مثل أحد الخوص أو الزعف واربعاء أيوب وخميس العهد والجمعة العظيمة وطول فترة الصوم الكبير هذا لا يأكل المسيحي أي شيء فيه روح من لحوم واسماك ودواجن وطيور ومنتجات ألبان أي ينقضي برمهات دون أن يضع في فمه هذا الطعام
فالصوم الكبير هي رحلة من الأرض للمجد وفيه أيضا رسامات الكهنة ليكن صوما مقدسا مقبولا ذبيحة حب