سامح فوزي
منذ سنوات قرأت قصة شاب وشابة فرنسيين ذهبا للعمل فى مجال التنمية فى «فولتا العليا»، وبعد فترة من التعارف، قررا الارتباط. ولكن كان من الصعب عليهما أن يكون زفافهما ثريًا ملفتًا، رغم أنهما يمتلكان القدرة على ذلك. فقد شعرا أن الفقراء الذين يعملون على النهوض بأحوالهم، قد يسيئهم ذلك. وعليه، فقد أرسلا لكل الأصدقاء والأقارب فى فرنسا دعوة الزفاف، مرفقًا بها رجاء بأن يخصصوا قيمة أية هدايا سيقدمونها لهما فى خدمة التنمية فى قرية «دورى» فى «فولتا العليا»، وقد تلقى العروسان مبالغ ضخمة أنعشت القرية بالكامل.
تذكرت هذه القصة المعبرة وسط خضم انشغال مواقع التواصل الاجتماعى بالتهانى المتبادلة بصوم رمضان عند المسلمين، والصوم الكبير عند الأقباط اللذين تلازما هذا العام، ووضع البعض صورًا تعبيرية تجسد تلاقى المناسبتين، انتشرت وذاعت على وسائل التواصل الاجتماعى. هذه الحالة من التهانى والمودة الكثيفة باتت نجدها فى كل المناسبات تقريبًا. ورغم ذلك، لا يستغل المجتمع هذه الطاقة الروحية، ولا تستفيد منها المؤسسات الدينية، ويصبح الأمر مقصورًا على بعض رواد الفضاء الإلكترونى. بالطبع هناك حساسية تجاه استدعاء «الدين» فى المجال العام، خوفًا من تسييسه، ثم تحوله إلى أداة للاستقطاب السياسى، مثلما كان الحال عليه منذ عقود، ولا تبغى الدولة، خاصة بعد خبرة 2013، أن تكون هناك تعبئة أو تجنيد أو حشد باسم الدين.
لا أتحدث هنا عن تسييس الدين، ولكن أتحدث عن أنسنة الحياة. هناك العديد من المشكلات السلوكية والأخلاقية، وهناك تحديات تهب رياحها على المجتمعات يحتاج التصدى لها إلى طاقة روحية. فمثلا يمكن فى حالة الصوم العام التى يشهدها المجتمع المصرى أن تُطلق حملات جادة فى مواجهة أوجه الانحراف والتوترات فى الحياة كأن تتبنى المؤسسات الدينية حملات من أجل مواجهة الفقر، ونشر فكر السلام بدلا من فائض العنف الذى نراه فى كل أوجه الحياة، والحث على وجود إنترنت خالٍ من التحريض والشائعات، وسوء استغلال الفضاء الإلكترونى فى ممارسة التشهير والابتزاز، مما يؤدى إلى كوارث وهو ما حدث مع طالبة العريش مؤخرا، وكذلك التصدى للمشكلات المزمنة فى المجتمع التى يتواطأ الجميع حولها مثل حرمان جانب كبير من النساء فى الوجهين القبلى والبحرى من الميراث.
هذه مجرد أمثلة لما يمكن أن تقوم به الهيئات الدينية من أجل استثمار الطاقة الروحية فى تطوير المجتمع. لأنه ما فائدة تذكر المناسبات الدينية، ونفرح لتلازمها، بينما لا نستفيد من الوجدان الروحى الذى يرافقها فى النهوض بأوضاع الناس والمجتمع، ماديا وفكريا، وسلوكيا؟
لا يعنى هذا استدعاء الدين فى غير محل، أو إضفاء طابع سياسى عليه، لكنه يمثل فى الأساس ارتقاء بحال الناس فى المجتمع الذى يُوصف بالتدين، ويغرق فيه الناس فى الطقوس الدينية بينما تحيط بهم كل أشكال الفوضى، والعنف، والبذاءة فعلا وقولا، ويصبح الدين شواهد، وأشكال، ومنشآت وهيئات، دون أن يكون قوة دافقة لتغيير الحياة للأفضل.
نحتاج إلى مؤسسات دينية تستثمر فى الروحيات العامة فى المجتمع، وإذا فعلت ذلك، وتوسعت فيه فسوف ينعكس بالإيجاب على دورها التربوى، ويعزز التنمية فى المجتمع، والأهم يصبح للتدين معنى ومضمون بدلا من المظاهر الشكلية.
نقلا عن الشروق