القمص يوحنا نصيف
القمص لوقا سيداروس

الإنجيل من مرقس (4 : 21 – 29)
«ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: هَلْ يُؤْتَى بِسِرَاجٍ لِيُوضَعَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ أَوْ تَحْتَ السَّرِيرِ. أَلَيْسَ لِيُوضَعَ عَلَى الْمَنَارَةِ. لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ خَفِيٌّ لاَ يُظْهَرُ، وَلاَ صَارَ مَكْتُومًا إِلاَّ لِيُعْلَنَ. إِنْ كَانَ لأَحَدٍ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ. وَقَالَ لَهُمُ: انْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ. بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ. لأَنَّ مَنْ لَهُ سَيُعْطَى، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ سَيُؤْخَذُ مِنْهُ. وَقَالَ: هكَذَا مَلَكُوتُ اللهِ: كَأَنَّ إِنْسَانًا يُلْقِي الْبِذَارَ عَلَى الأَرْضِ، وَيَنَامُ وَيَقُومُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَالْبِذَارُ يَطْلُعُ وَيَنْمُو، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ، لأَنَّ الأَرْضَ مِنْ ذَاتِهَا تَأْتِي بِثَمَرٍ. أَوَّلاً نَبَاتًا، ثُمَّ سُنْبُلاً، ثُمَّ قَمْحًا مَلآنَ فِي السُّنْبُلِ. وَأَمَّا مَتَى أَدْرَكَ الثَّمَرُ، فَلِلْوَقْتِ يُرْسِلُ الْمِنْجَلَ لأَنَّ الْحَصَادَ قَدْ حَضَرَ».

   اليوم الربّ يُضيف إلى قوله بالأمس نورًا جديدًا، من سراج كلمته، نحو دينونة الآخرين ومعاملتهم.. وهو أنْ ليس خفيٌّ إلاّ ويظهر، ولا مكتوم إلاّ ويُستعلَن. وهذا أيضًا أمرٌ جدير بالاعتبار.. فحتّى خطايا الناس وخفايا قلوبهم مكشوفة أمامه، وسيُظهِرها ويَستعلِنها في وقتها.

   والآن ماذا في قلبي يا ربّي؟ وماذا سيَظهَر مِمّا هو مكتوم في داخلي؟
    لقد أخفَى القديسون فضائلهم، وكنوزَ قلوبهم، تحت ستر الاتضاع. فظهروا من خارج فقراءَ مُعدَمين، مكروبين ومُذَلّين.. وهكذا جازوا أيام غربتهم لا يعرف أحدٌ سِرّهم. أمّا أنا بجهلي فإنّي أَظهر على غير ما فيَّ، وأحاول أن أصطَنِع فضائل لكي يَنظرها الناس. وهذا أيضًا مَنشَأ الدينونة، إذ في هذه الحالة أرى الناس على غير ما هُم عليه وأدينهم، وأنا مُدان في ذات الخطأ.

 أنت كاشف الأسرار.. أنت فاحص القلوب وحدك.. ما لي والناس؟ وخطايا الناس؟ وخفايا الناس؟
 الجاهل يدين الآخرين، على ما يرى فيهم من عيوب.. والحكيم يتأمّل فضائل الغير، ويَغِير غيرة مقدّسة.

 ياربّي.. أنا لا أعرف دواخل الناس، فأرجوك كُفّ نظري عن تقصير الغير.. اجعل نظري يتركّز في داخل قلبي، لأرى عيوبي ونقائصي.. واستُرْ عليَّ بسترك، لئلاّ تنكشف عيوبي، فأصير في خِزي.

    ثم النور الإلهي هو وحده الذي يكشف، لأنّه الحَقّ. فإن عشتُ بالحقّ، ينكشف، أول ما ينكشِف لي، دواخلي وعيوبي، فأُدركُها في نور الحقّ، الذي يبكّتني ويقودني إلى إصلاح سيرتي.

 أمّا مِن جِهة ما في داخل الإنسان.. فالمسيح يوجّه نظري إلى أنّ ملكوت الله داخلي.. مثل زرع ينمو في الداخل لأنّ فيه قوّة حياة لا تزول، والإنسان ينام ويقوم والزرع ينمو.. ويُثمر بالنعمة.

 لقد وصف الآباء القدّيسون عمل الدينونة كأنّها دودة تأكل الزرع، أي أنّها تضرّ وتُميت النموّ في داخل الإنسان. ملكوت الله لا يأتي بمراقبة ولا ينمو بمراقبة، يحتاج إلى نقاوة قلب لئلا تُعطِّل أشواكُ الدينونة نموَّ بذرة الملكوت.

+ «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ، فَلْيَسْمَعْ»
    ياربّ تكلّم فإنّ عبدك سامع.. إنِّي أسمع ما يتكلّم به الربّ الإله.. أعطِ عبدَك أذنًا صاغية.. فأسمع كلامك وأحياه.

    اِجعل ملكوتك في داخلي ينمو ويزيد.. واجعل ملكوتك في داخلي يُثمر ويزيد.. أنت وحدك الذي تنمي.. «بُولُسُ غَرَسْ وَأَبُلُّوسُ سَقَى... لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي» (1كو3: 6، 7).

   اسمح لي أن أعمل معك في امتداد ملكوتك، داخل القلوب والنفوس.. أعطِني نعمة أن أزرع أو أن أسقي بذار الملكوت.. وأعطِني نعمة أن أفهم أنْ ليس في قدرتي أن أُنمّي.. أنا مجرد عامل، زارع أو ساقي.

   أنت فيك الحياة.. والحياة هي نور الناس.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف