القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف

الإنجيل من لوقا (11: 1 – 10)
«وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي فِي مَوْضِعٍ، لَمَّا فَرَغَ، قَالَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِيذِهِ: يَارَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ كَمَا عَلَّمَ يُوحَنَّا أَيْضًا تَلَامِيذَهُ. فَقَالَ لَهُمْ: مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ ٱسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي ٱلسَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى ٱلْأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا كُلَّ يَوْمٍ، وَٱغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لِأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا، وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ ٱلشِّرِّيرِ. ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ مِنْكُمْ يَكُونُ لَهُ صَدِيقٌ، وَيَمْضِي إِلَيْهِ نِصْفَ ٱللَّيْلِ، وَيَقُولُ لَهُ يَا صَدِيقُ، أَقْرِضْنِي ثَلَاثَةَ أَرْغِفَةٍ، لِأَنَّ صَدِيقًا لِي جَاءَنِي مِنْ سَفَرٍ، وَلَيْسَ لِي مَا أُقَدِّمُ لَهُ. فَيُجِيبَ ذَلِكَ مِنْ دَاخِلٍ وَيَقُولَ: لَا تُزْعِجْنِي. اَلْبَابُ مُغْلَقٌ ٱلْآنَ، وَأَوْلَادِي مَعِي فِي ٱلْفِرَاشِ. لَا أَقْدِرُ أَنْ أَقُومَ وَأُعْطِيَكَ. أَقُولُ لَكُمْ: وَإِنْ كَانَ لَا يَقُومُ وَيُعْطِيهِ لِكَوْنِهِ صَدِيقَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ أَجْلِ لَجَاجَتِهِ يَقُومُ وَيُعْطِيهِ قَدْرَ مَا يَحْتَاجُ. وَأَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ٱسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ».

 علِّمنا أن نصلِّي.. نعم يا سيد علّمني، لأنّي حتّى الآن لا أعرف أن أصلِّي كما ينبغي..
 في أحيانٍ كثيرة أشعر أنّ صلاتي ترجع إلى حضني..
    في أحيانٍ كثيرة أصلِّي بذهنٍ شارد..
    وفي أحيانٍ كثيرة يُصيبني الملل في الصلاة.. فأحاول أن أختصر صلاتي..

    وفي أحيانٍ كثيرة أصلِّي بلا فهم..
    وفي أحيانٍ كثيرة أصلّي بلا عاطفة..
    ومرّات كثيرة أشعر أنّني أُهين الربّ بصلاتي..
    ويُهيَّأ إليَّ أن لا فائدة من الصلاة.. جسدي يقف بالتغصُّب.. وفكري ينجمِع إلى حين..

    هذه هي صلاتي.. أكرّر الكلام وأحرّك الشفاه.. أمّا القلب!!

 لذلك أتوسّل إليك يا سيّدي مع رسلك القديسين.. علّمني أن أصلّي. حقًّا إنّه ببشريّتك الكاملة التي أخذتَها من العذراء القديسة كنتَ تصلّي، فغرست في طبيعتنا الجديدة حياة الشركة مع الآب.

 ولكنّي أحتاج أن تُعلّمني أن أصلّي...
 أصلّي بالروح وأصلّي بالذهن..
 وأرتّل بالروح وأرتّل بالذهن..
 أدخِلني إلى حِجالِكَ في الصلاة..

    زَلزِل صخور القلب بعاصِفِ الروح.. وحين تهُبّ ريحك في داخلي تسيل المياه الجارفة من العيون، عيون الماء..
    سأظلّ أطلب أن تعلّمني أن أصلّي مدى حياتي، لأنّ مُتعة الشركة معك وأسرارها لم أَصِلْ إليها بعد. وحتّى إنْ تذوقتها حينًا، فأنا اشتاق أن أدوم فيها.
    لذلك علّمني أن أُصلّي.. لينطق فمي بتسبيحك.

    علّمني أن أصلّي بلا فتور.. حين تُشعِل نار حبّك في قلبي.
    علّمني أن أُصلّي بلا انقطاع، حين تفطم نفسي من الانشغال بغيرك.
    علّمني أن أصلّي بخشوع، حين أشعُر بجلال الوجود في حضرتك.
    علّمني أن أُصلّي، من أجل تقديس اسمك، وامتداد ملكوتك.

    علّمنى أن أصلّي، لتكُن مشيئتك، لا مشيئتي. وحين أقولُها أعنيها تمامًا. بل حين أصلّيها، أتخلّى عن كلّ إرادة، إن لم تكن متوافقة مع مشيئتك.
    علّمني أن أصلّي من أجل المسيئين والمذنبين، وأغفر لهم من كلّ قلبي ومن كلّ فكري، بل أطلب لهم من يدك كلّ خير ونعمة، وأن لا تُحسَب لهم خطيّة.

    إلى الآن لم أختبر قوّة هذه الصلاة.. إنّني أقولها كلّ يوم مرّات كثيرة، ولا أحياها إلاّ قليلاً..
    لذلك علّمني هذه الصلاة أنت بذاتك، لأنّك بقُدرتِك غفرتَ لصالبيك.

* «صَدِيقٌ نِصْفَ ٱللَّيْلِ»
 لقد شبّهتَ نفسك يا سيّدي بالراعي الصالح، وبالسامري الصالح، وبالأب القابل إليه ابنه. بل وبالدجاجة التي تريد أن تجمع فراخها، بل بالمرأة التي أضاعت الدرهم فوجدته.. كثيرًا ما أردتُ أن تُقنَع نفسي بخيريّتك الأزلية، وحبّك الحاني نحو الإنسان، وإرادتك أن تُخَلِّص على كلّ حال..
    وها أنتَ تُشَبِّه نفسك بصديق، يأتي إليه صديقَه يطلب.. يا سيدي، أنت ألزَق من الأخ، وأقرب من الصديق.. أنت ينبوع الحنان.. أنت الأبوّة الإلهيّة المملوءة حنانًا لا يوصَف، ولا يُدرِك كمالَه عقلُ الملائكة ولا البشر.

    لذلك يا سيّدي علّمني الصلاة والاقتراب إليك والطلَب.. دعني أقرع بابك كلّ حين يا سيدي، بثقة أنّك فاتح أحضانك، وتستجيب دعاءَ أحبّائك.. دعني أطلب بثِقة البنين ودالّة البنين وحُبّ البنين.. فقط دعني أُفَرِّح قلب أبي بأن أصيرَ ابنَ طاعةٍ وابنَ مسرةٍ وخضوعٍ.

* «كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ»
 لو قالها أحدٌ غيرك يا سيدي مَن يُصدِّق؟ ولكن أنت قائلها، وأنت فاعلها، لأنّ مواعيدك صادقة وافية، وتزول دونها السموات والأرض.
 كلّ مَن يسأل يأخذ.. يا لسخاء نعمتك يا سيدي.. أعطِني.. أعطِني..

    قولك يرشدني إلى طريق السؤال المقبول: اطلُبوا أوّلاً ملكوت الله.. ليأتِ ملكوتك.

 أطلُبُ أن يكون ملكوتك في حياتي بالحقّ لا بالكلام.. اِملك على قلبي بالكُلّيّة، ولا يملك عليّ غيرك.. حرّرني من الأمور التي تتسلّط عليَّ وتَملك عليَّ..
 حرّرني من الشهوات.. فمَن اشتهى قد انتهَى.

    حرّرني مِن محبّة ما في العالم.. لأنّ من أحبّها ملكَتْ عليه.
 حررني من ذاتي.. لأنّ مَن أحبّ نفسه يُهلِكُها.

 حرّرني من الخوف.. فلا يملك عليّ.. بل يملك عليَّ سلامك.
 ملكوتك في داخلي، أنتَ أسّسته بصليبك.. ملكوت الحرّيّة الإلهيّة والسلام القلبي والفرح الدائم.

    لكي يَهرب ملكوت الظلام وروح الظلمة، ملكوت إبليس، قتّال الناس، الكذّاب وأبو الكذّاب.
    اجعل فيَّ الثقة باستجابة سؤل قلبي.. يعطيك الربّ بحسب قلبك.. اِسمَع واستجِب.. يا قابلَ الصلاة.. إليك يأتي كلّ بشر.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف