القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف

الإنجيل من متى (5: 38 – 48)
  «سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لَا تُقَاوِمُوا ٱلشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ ٱلْأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ ٱلْآخَرَ أَيْضًا. وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَٱتْرُكْ لَهُ ٱلرِّدَاءَ أَيْضًا. وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَٱذْهَبْ مَعَهُ ٱثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْكَ فَلَا تَرُدَّهُ. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لَاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لِأَجْلِ ٱلَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى ٱلْأَشْرَارِ وَٱلصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى ٱلْأَبْرَارِ وَٱلظَّالِمِينَ. لِأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ ٱلَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ. أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ. وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ. أَلَيْسَ ٱلْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هَكَذَا. فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ».

 سمعتم أنّه قِيل للقدماء.. أمّا أنا فأقول لكم.. قد تُعنِي كلمة "القدماء" مِن جهة الزمن والتاريخ. وقد تعني أيضًا مِن جهة الطبيعة القديمة والخليقة الجديدة. إذن المسيح يُميّزنا عن القدماء لأنّه أعطانا جِدّة الحياة، أي الحياة الجديدة.

 قيل هكذا للقدماء لأنّهم أصحاب الطبيعة القديمة الساقطة. فإن كان قد وَهَبَ لنا طبيعة جديدة، فلذلك صارت الوصية جديدة. إذن هناك طريقة جديدة للحياة واستيعاب كلام يسوع: أن أحيا بالجديد، هذا استلزَمَ جِدّة الوصايا.

    الوصية هي هي، وواضع الوصيّة هو هو. المسيح لم يَقُل: قال الله للقدماء، أمّا أنا فأقول لكم. حاشا فهو القائل للقدماء وللرسل ولنا ولمَن يأتِ بعدنا إلى دهر الدهور، هو الكلمة الأزلي، وهو المتكلّم، وكلمته باقية إلى الأبد. وصيّة المسيح غالية، يجب الخضوع لها.. وصيّته هي حياة أبدية.

 العيب في القديم هو عيب الناس.. عيب الطبيعة الساقطة الضعيفة. لذلك تحب قريبك وتبغض عدوك.. فَهِمُوها جسديًّا من أجل ضعف الطبيعة. فلمّا حرّرنا المسيح من موت الخطيّة، وأعطانا حياة جديدة، قال: «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ». فمحبّة الحبيب والقريب أمر طبيعي يتناسب مع الطبيعة، أمّا محبّة العدوّ فأمر جديد لا يقدر على استيعابه إلاّ أصحاب طبيعة جديدة، مخلوقة في المسيح.

 الوصايا الجديدة متناسِبة جدًّا مع الإنسان الجديد، وحين يحياها يَنعَم بفرح عجيب ونصرة فائقة، إذ يكون بالنعمة انتصر على الذات والجسد والعالم وكلّ ما فيه.

 الوصايا ليست ثقيلة إلاّ على الجسد والجسدانيّين. ولكن اسألْ يوحنا الحبيب فهو يقول: «وَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً» (1يو5: 3)، بل اسمَعْ كلام الرب نفسه: «نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ». (مت11: 30). فما قيل للقدماء، لم يستطِع أحد أن يَحمِله أو ينفّذه. أمّا ما قاله الربّ يسوع فنعمته عامِلة فينا. فلَسنا نحيا بَعد في القديم، بل في جِدّة الحياة.

 روح الوصيّة واحد وجوهرها واحد.. وليس علينا إلاّ أن نسمع ونطيع، فنربح ونفرح معًا. غاية الوصيّة هي الكمال.. «كُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ» (مت5: 48). بدون الوصيّة المقدّسة، لا أصِلُ إلى قصد الله من حياتي. إذن ليس الأمر اختياريًّا كَما يَظُنّ البعض، الوصية هي المنهج والخِطّة التي رسمها الربّ لحياتي لمجد اسمه والشهادة لنعمته.

بَذْل الخَدّ الآخر، والعطاء بلا حساب، وإنكار الذات، هذا منهج.. لقد صار هذا المنهج راحة القديسين.. ارتاحوا إذ حملوا نير المسيح. لم ينتقموا لأنفسهم، ولا صاروا مثل سائر الناس يحبّون أحبّاءهم ويبغضون أعداءهم، بل صيّرتهم وصيّة المسيح أعلى من مستوى مقاومة الشر، غلبوا ذواتهم قبل أن يغلبوا العالم.
    الوصيّة سلاح إلهي، جعله الربّ في يد أحبّائه، به غلبوا العالم الحاضر الشرير. الكمال المسيحي هدف يجب أن أسعى نحوه بكلّ قوتي وكلّ قدرتي. وهذا يتمثّل في الحياة بالروح، وحفظ وصايا يسوع.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف