خالد منتصر

المشهد الافتتاحي في مسلسل " الحشاشين" والذي ينتحر فيه واحد من أتباع حسن الصباح من أعلى نقطة في سور القلعة بمجرد نظرة من القائد حسن الصباح ولاثبات الولاء أمام المندوب أو الرسول الفرنسي ، من الممكن أن تكون هناك مسحة خيال فني في المشهد، لكن المشهد له ظل من الواقع ، ويحدث بصور مختلفة سواء قفز من قمة جبل أو تفجير بحزام ناسف ، وهذا يقودنا لدراسة سيكولوجية الانتحاري في الجماعات الإرهابية ، وليس أفضل من د أحمد عكاشه ، الذي من خلال حواراتي معه تحدث عن تلك النقطة مراراً ، وسجلها كتابة في " قراءة للعقل المصري" الذي شرفت بكتابة مقدمته، قال د عكاشه:

 

 "يجب التفرقة بين الإرهابى كقائد والإرهابى كتابع.. فعادةً، تكون قيادات الإرهاب شخصيات راديكالية متطرفة ليس لديها أى قابلية للمرونة أو الحوار أو المناقشة، ويكون إيمانهم بالفكرة أو الاعتقاد يقينًا غير قابل للحوار، ويكون لهم القدرة على إقناع الآخرين باعتقادهم سواء خاطئًا أو صحيحًا، خاصة فى هؤلاء القابلين للإيحاء ويطيعون الأوامر كقطيع دون وعى بالرغم من تفاوت ثقافاتهم.

 

 وهنا يجدر الكلام عن «متلازمة الماسادا»، وهى حالة نفسية تتميز باعتقاد مركزى راسخ بواسطة أعضاء مجموعة تشعر أن المجتمع ضدهم وله رؤية سلبية تجاههم، وهم يفضلون الانتحار أو الموت أو الشهادة على الاستسلام أو الهزيمة أو قبول الأمر الواقع.

 

 وفى دراسة علمية عن «الراديكالية بين التطرف الدينى والميليشيات والعصابات والجهاديين»، وُجد أن ما يميزهم هو: غياب النسيج المجتمعى المساند، والرغبة فى الانضمام والانتماء لمجموعة تكسبهم نوعًا من احترام الذات والهوية، والرغبة فى الثورة على نظام المجتمع، والرغبة فى الحماية من نفس ذات المجتمع الذى يشعرون أنه ظلمهم، وحب المغامرة والمخاطر والتجديد. ويعزز الراديكالية: الفقر، البطالة، الظلم، عدم وجود الحافز للتقدم، عدم وجود الفرصة للتقدم.

 

 العوامل المسبقة التى تجعل المرء مهيأً للانخراط فى الإرهاب هى: التجارب الشخصية فى مجال الاضطهاد (الحقيقية أو المتصورة)، توقعات تتعلق بالانخراط (مثل المغريات كالإثارة والرسالة والإحساس بأن لحياة المرء هدفا)، المشاركة فى النشاطات والتأهل للانضمام إلى المجموعة عن طريق الأصدقاء أو الأسرة، أو النشوء فى بيئة معينة، فرصة للتعبير عن الرغبة فى الانضمام والخطوات المتخذة نحو الانخراط، مدخل أو وسيلة إلى الوصول إلى الجماعة ذات الصلة.

 

 ما نظنه فى أفعال كثير من الانتحاريين المنتمين للفئة الضالة أنهم مرضى يعانون من عدم السواء النفسى والتوازن الداخلى، ولكن من استقراء مسار الجماعات والحركات الإسلامية المختلفة، لوحظ محاولة اقتناص المواهب وسرقتهم من سياقاتهم الاجتماعية والخاصة نحو سياقها الأيديولوجى، وتحييد وإقصاء من يرونه غير مؤثر أو مصابا بمرض نفسى ما حتى لا يحملوا مؤونة أزماته الخاصة، أو ارتباكا داخل التنظيم.

 

 إن صناعة الإرهابى الذى يفجر نفسه بحزام ناسف أو سيارة مفخخة يحتاج لتدريب وغياب الوعى، وما يقال عنه «غسيل المخ».

 

 وتدل الدراسات النفسية على أن الحرمان الحسى هو أحسن الوسائل للحصول على غسيل المخ للإيمان بفكرة معينة، وقد يكون الحرمان الحسى كاملًا، مثلًا وضعه فى الظلام وعدم سماع أى أصوات، والحرمان من الطعام أو الشراب، ولا مانع فى غرفة مغلقة تحت الماء حتى ينهار الفرد تماما ويصاب بالهلاوس وفقدان الوعى وبعدها يصبح قابلا للإيحاء، فيعطى الفكرة الجديدة بعد غسيل الأفكار القديمة، وبعد مدة يبدأ فى الاعتقاد فى المنظومة الفكرية الجديدة ونبذ ونسيان المنظومة الفكرية القديمة، ويستعمل ذلك بعد القبض على الجواسيس فى أجهزة المخابرات العامة العالمية.

 

 

 أما فى الحالات العادية، فيبدأ القيادى تدريب التابعين على فكر دينى محدد، ويقلل، بل يمنع أى أفكار أخرى أو منبهات للمخ تؤثر فى هذا المعتقد، فتجده أولا يتبع مبدأ السمع والطاعة ولا يقرأ أى شىء بعيدا عن الدين أو الفقه، ويبتعد عن كل المؤثرات الخارجية من صحافة أو تليفزيون إلا التى ستعزز هذه الأفكار، ويصبح هذا الشخص ينظر من أفق واحد، نهايته الشهادة فى سبيل الله، ويشبه الحصان عندما توضع الغمة على جانبى العين حتى لا يرى إلا أمامه".

نقلا عن الوطن