فى مثل هذا اليوم 18مارس1965م..
فاروق الأول أو الملك فاروق (11 فبراير 1920 - 18 مارس 1965)، آخر ملوك المملكة المصرية وآخر من حكم مصر من الأسرة العلوية ذات الأصول الألبانية. استمر حكمه مدة ستة عشر عاما إلى أن أطاح به تنظيم الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو وأجبره على التنازل عن العرش لابنه الطفل أحمد فؤاد والذي كان عمره حينها ستة شهور والذي ما لبث أن عُزِل في 18 يونيو 1953 بتحويل مصر من ملكية إلى جمهورية.
بعد تنازله عن العرش أقام في منفاه بروما، وكان يزور منها سويسرا وفرنسا، إلى أن توفي في روما في 18 مارس 1965 ودفن أولا في مقابر إبراهيم باشا في منطقة الإمام الشافعي ثم نقلت رفاته في عهد الرئيس محمد أنور السادات إلى المقبرة الملكية بمسجد الرفاعي بالقاهرة تنفيذاً لوصيته.
كان فاروق الذكر الوحيد بين شقيقاته الخمس، لأمه الملكة نازلي وأبيه الملك فؤاد الأول، ونشأ بين القصور الملكية في القاهرة نشأة صارمة على أيدي المربيات الإنجليزيات، بناء على تعليمات مشددة من والده، لذلك لم يتردد عندما سنحت له الفرصة للسفر إلى إنجلترا للدراسة هربا من القصر.
لكن الفتى (16 ربيعا) لم يلبث أن عاد إلى القاهرة لتولي عرش مصر في 28 أبريل/نيسان 1936، في أعقاب وفاة والده، حيث تم تشكيل مجلس وصاية رأسه ابن عمه الأمير محمد علي أكبر أمراء أسرة محمد علي.
لكن هذا الوضع لم يستمر كثيرا، إذ خافت الملكة نازلي من أن يطمح الأمير محمد علي في السلطة، فلجأت إلى شيخ الأزهر محمد مصطفى المراغي ليصدر فتوى تحسب عمر الملك الصغير بالتاريخ الهجري، وبعد عام و3 أشهر فحسب من الوصاية تُوج فاروق الأول ملكا رسميا لمصر والسودان في 29 يوليو/تموز 1937.
رحّب المصريون بالملك الشاب، واستبشر كثيرون منهم به خيرا، لكن الصراع لم يلبث أن اشتعل مباشرة بين الملك وحزب الوفد أبرز الأحزاب السياسية، وذلك حينما اعترض الوفد على تنصيب الملك قبل بلوغه سن الـ 21، ومن هنا أقدم الملك فاروق على إقالة حكومة مصطفى النحاس في ديسمبر/كانون الأول 1937 مستغلا شعبيته.
وسرعان ما تعقدت الأمور باشتعال الحرب العالمية الثانية، وإعلان إنجلترا -التي تحتل مصر- الحرب على ألمانيا، ليحاول فاروق الظهور بمظهر الوطني المعادي للإنجليز.
من بين كل الأحداث التي مرت بها مصر خلال عهد الملك فاروق، تبقى أحداث 4 فبراير/شباط 1942 الأبرز في تاريخه، حيث أظهرت ضعف الملك في مواجهة المحتل البريطاني.
كانت الحرب العالمية الثانية في أوج اشتعالها؛ ألمانيا النازية تحرز انتصارات ساحقة في أوروبا، وإنجلترا في موقف لا تحسد عليه، والقوات الألمانية بقيادة إرفين روميل تزحف في العلمين متجهة نحو الإسكندرية، وإنجلترا تطالب الملك فاروق بسرعة تشكيل حكومة تدين بالولاء لمعاهدة 1936، وحددت له موعدا أقصاه 3 فبراير/شباط.
لم يرضخ الملك لمطالب الإنجليز، وعقد اجتماعا مع قادة الأحزاب السياسية الذين اتفقوا على تشكيل حكومة ائتلافية تحول دون انفراد حزب الوفد بالسلطة، الذي يستحوذ على أغلبية البرلمان، لكن الإنجليز كانوا يميلون لتكليف النحاس الذي وقع معهم معاهدة 1936 التي تضمنت مساعدة مصر للإنجليز في حالة الحرب.
مع تأخر تشكيل الحكومة، طلبت إنجلترا من سفيرها أن يلوح باستخدام القوة ضد الملك فاروق، وبعد عصر 4 فبراير/شباط فوجئ الملك فاروق بالدبابات تحاصر قصر عابدين، والقوات البريطانية تطوق البلاط الملكي، وأجبره السفير البريطاني مايلز لامبسون على توقيع قرار تكليف مصطفى النحاس زعيم حزب الوفد بتشكيل الحكومة الجديدة، وإلا فلا خيار أمامه سوى التنازل عن العرش.
كانت حادثة 4 فبراير/شباط بداية انحسار شعبية الملك فاروق وشعبية حزب الوفد أيضا؛ وقد انحسرت شعبية فاروق لأنه بدا ملكا ضعيفا يتحكم فيه السفير البريطاني، وتراجعت شعبية الوفد بعد أن ظهر بصورة حزب متحالف مع المستعمر على حساب الوطن.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية عادت مطالب مصر بالاستقلال الكامل وليس المنقوص الذي منحته لها معاهدة 1936، لكن الإنجليز رفضوا وتقاعست حكومة النقراشي عن المضي قدما في هذا السبيل.
اندلعت مظاهرات طلابية عارمة ضد الملك والحكومة، وواجهت الحكومة المظاهرات بعنف، وكان أبرز مظاهره في فبراير/شباط 1946 حين أطلقت قوات الأمن النار على مظاهرة للطلاب فوق جسر عباس أعلى نهر النيل، وهي الحادثة التي تسببت في كراهية الشعب للحكومة والملك.
وتوالت الأحداث التي تسببت في ازدياد خفوت نجم فاروق وحاشيته، مثل قضية الأسلحة الفاسدة التي أثيرت بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب فلسطين 1948، ثم حادث قتل الإنجليز ضباط الشرطة المصريين في الإسماعيلية في 25 يناير/كانون الثاني 1952، وما تلاه من احتجاجات واسعة في القاهرة، تسببت في حريق عشرات المحلات والمباني، فيما عُرف باسم حريق القاهرة.
ثورة يوليو
انتهى حكم فاروق باستيلاء تنظيم الضباط الأحرار على قيادة الجيش في 23 يوليو/تموز 1952 وإعلان الانقلاب العسكري، فيما عرف لاحقا "بثورة يوليو".
أُجبر الملك فاروق على التنازل عن عرش البلاد إلى ولي العهد ابنه الملك فؤاد الثاني، كما أُجبر على ترك البلاد، وخرج الملك على متن يخته الشهير "المحروسة" بحقائبه كاملة وصحبة أفراد عائلته، بل وتم وداعه بالسلام بالوطني والتحية العسكرية، وما لبث أن انتهت الملكية في مصر، وأعلن الضباط الأحرار قيام الجمهورية في 18 يونيو/حزيران 1953.
مثير للجدل
تظل شخصية الملك فاروق محلا للجدل، وخاصة مع أقاويل وأنباء عن علاقاته النسائية، وخلافاته الأسرية مع والدته وشقيقاته، وحبه للطعام وشغفه الكبير به، وتَطوله اتهامات كثيرة بالفساد والثراء الفاحش.
لكن الأكثر للجدل بين مؤيديه ومعارضيه حتى الآن ليس حياته الشخصية، بل الوضع السياسي والاقتصادي لمصر في عهد الملكية مقارنة بعصر الجمهورية، حيث يتحدث أنصاره عن الحريات السياسية والنهضة الاقتصادية، في حين يتهمه خصومه بنشر التفاوت الطبقي والخضوع للاستعمار الأجنبي.
نهاية غامضة
انتهت حياة الملك فاروق بصورة درامية في أحد مطاعم روما بعد تناوله وجبة عشاء ثقيلة، ووفقا للشرطة الإيطالية فقد مات فاروق بذبحة صدرية، لكن قيل إن المخابرات المصرية قد خططت لاغتياله، خاصة أن ضابطا مصريا يدعى إبراهيم البغدادي كان يعمل نادلا في الملهى الليلي، ويقال إنه دس السم لفاروق بأوامر من الرئيس -آنذاك- جمال عبد الناصر بعد إشاعات سرت عن أن فاروق كان يخطط للعودة إلى مصر.
وتمت الإشارة إلى هذه الروايات حتى في صحف حكومية كان بينها "أخبار اليوم" التي نشرت في يوليو/تموز 2018 موضوعا تحت عنوان: "هل قتل البغدادي الملك فاروق بأوامرعبد الناصر؟.. 3 روايات تكشف الحقيقة".
وفي حوار تلفزيوني عام 2009 للأميرة فريال ابنة الملك فاروق أكدت ما يقال عن اغتيال والدها بالسم، وقالت إننا علمنا بعد ذلك أن السم الذي وضع في الطعام هو عقار خاص بالمخابرات الأميركية، من شأنه أن يوقف القلب تماما، ليبدو الأمر كأنه أصيب بسكتة قلبية.
وعندما واجه الإعلامي المصري عمرو الليثي الضابط البغدادي بهذه الاتهامات في برنامجه التلفزيوني "اختراق"، نفي البغدادي تماما تورطه في اغتيال فاروق، وأكد أن الملك كان مريضا بالقلب، وطالما نصحه الأطباء بتخفيف وزنه، ثم جاءت هذه الوجبة الثقيلة فكتمت أنفاسه وقتلته.
أما عن المثوى الأخير لجثمان ملك مصر السابق، فقد استجاب الرئيس جمال عبد الناصر لضغوط الملك فيصل ملك السعودية آنذاك، وسمح بعودة الجثمان كي يتم دفنه في أجواء من السرية بمقابر الأسرة العلوية بالقلعة، قبل أن يُنقل رفاته لاحقا في عهد السادات إلى مقبرته الحالية في مسجد الرفاعي.