بقلم الشماس الأكليريكي /أمجد سمير شفيق حنا اﻷشنيني 
دبلوم التاريخ الكنسي 
بمناسبة عيد الصليب
إن الصليب يمثل العرش حيث ملك الرب علي خشبة معلناً الخلاص. فقد هيأ الرب أذهان البشرية لتتميم خطة الخلاص تراث الشعوب الوثنية ومن خلال تقديم رموزها في العهد القديم فسوف نتناول عرض موجز عن الصليب .
 
أولاً : الصليب قديماً عند بعض الشعوب:
عرف الصليب كآلة تعذيب وعقوبة للإعدام بين بعض الشعوب غالباً الشرقية فلقد عرف عن الفينيقيين (استخدمه الأسكندر الأكبر) وعرف عند الفرس (عز6 :11) (أستير5: 14 ، 8 :7) والمصريين القدماء (تك40 :19) وعرف عند الرومان وذلك كان قاصراً على العبيد والغرباء وقد ألغاها الملك قسطنطين الكبير لأسباب دينية وكذلك عرفه بنى إسرائيل (تث21 :22) وقد حمل الفلاسفة والمفكرون القدماء عقوبة الموت صلباً مثل شيشرون .
 
 ثانياً : الصليب عند قدماء المصريين:
وجدت علامة العنخ  "الأونخ" تعنى الحياة وفى اللغة الهيروغليفية "داى" يعطى وتقرأ "دى أنخ" يعطى الحياة وذكر أحد المؤلفين أن هذه العلامة كانت مرفوعة ظاهرة لآدم بواسطة الملاك ونقلت بعد ذلك إلى نوح ثم سام ومنه إلى مصراييم ابنه أبو المصريين وأرتبط العنخ بأنها نبع الحياة فقد كان "الأونخ" رمزاً للصليب الذى آمنوا به بسر خفى .
 
ثالثاً : كلمة الصليب فى أسفار العهد الجديد:
استخدمت كآداة للتعذيب التى صلب عليه المسيح "أكسيليو"Xylon وتعنى خشبة أو شجرة . إستاوروس staurous  وتعنى الصليب فى مفهومه الحالى وردت كلمة إستاوروس ومشتقاتها مرتين فى العهد الجديد
 
رابعاً : رموز الصليب فى العهد القديم :
*  الحطب الذى حمله أسحق عندما أمر الرب ابراهيم بتقديمه ذبيحة (تك 22 :6 ،7)
* ذبيحة الفصح  * عصا موسى التى شقت مياه البحر الأحمر وفجرت المياه من الصخرة *  الخشبة التى أعطت عذوبة لمياه مارة المرة .* الغصن الذى غرسه يعقوب عند سواقى المياه (تك30 :37) *  سلم يعقوب * عصا هارون التى أفرخت * غصن يسى – سنديان سامرى- الحية النحاسية – تقاطع أيدى يعقوب عند مباركة ابن يوسف (تك 48) – رفع يدى موسى عند محاربة عماليق – قطعة خشب الأرز فى شريعة تطهير الأبرص . 
 
رابعاً : عيدي الصليب: 
* يوجد عيدان فى الكنيسة القبطية يصلى فيها بالطقس الفرايحى .
- ( العيد الأول ) يوم 17 توت "مايو سنة 328م " عيد أكتشاف خشبة الصليب على يد الملكة هيلانة ام الملك قسطنطين .
- ( العيد الثانى ) يوم 10 برمهات " يوم ظهور الصليب المقدس " وذلك أسترداد خشبة الصليب على يد الامبراطور هرقل سنة 629م ووضع فى كنيسة القيامة بعد أن استولى عليه خسرو الثانى ملك الفرس سنة 615م .
 
خامساً : الصليب والمبنى الكنسي:
بدأ انتشار استخدام الصليب فى المبانى الكنسية على نطاق واسع منذ القرن الرابع 
 
1- الصليب والمذبح :
لا تقيم الكنيسة القبطية صليباً فوق المذبح لأن المذبح هو صليب الرب ذاته إنما يزين عرش المذبح . ويستخدم فى الخدمة وفى الأوانى المقدسة فهو يحمل الكثير من المعانى السرية منها :
يقوم العمل الكهنوتى على اختفاء كل كاهن فى صليب الرب يسوع اسقف نفوسنا .
إن كل عبادتنا تقدم من خلال ذبيحة المسيح . 
استخدامه يمثل حضرة الرب الحى واهب حياة وسط شعبه 
 
2- الصليب وحامل الأيقونات :
* حامل الأبقونات هو كتاب كنسي سجل بلغة الألوان البسيطة لتعلن عمل الله
* ليعلن الصليب المرتفع فوق أيقونات القديسين والملائكة. وهذا الإتحاد من خلال الصليب.
* ويرتفع فوق الأيقونات العهد القديم والجديد مؤكداً أنه مركز الأحداث .
* على جانبي  الصليب نرى صورتي  السيدة العذراء ويوحنا الحبيب  لتؤكد شركتنا معه فى صليبه يقدم أمه أماً لنا .
 
3- الصليب ومنارة الكنيسة :
* يوضع الصليب فوق منارة الكنيسة فهو يمثل العلم (اللواء) الذى يعلن خضوع الكنيسة لسلطان الرب المصلوب ويشير إلى مجىء الرب الأخير (مت 24 :30) ويدعو العالم كله للإستعداد لمجىء الرب .
 
سادساً : أشكال الصليب:
يوجد أكثر من 400 طابع مختلف للصليب عرف منذ عصر ما قبل التاريخ وأشهر هذه الأشكال الصليب اللاتيني والصليب اليوناني فالصليب اللاتيني  هو عمودان من الخشب متعامدين ونقطة تقابلهما تكون بحيث تكون ثلاثة أطرف متساوية أما الطرف الرابع ( وهو السفلى فأطول وهو الذي  صلب عليه السيد المسيح وكتب عليه الحروف اللاتينية (INIR) وهو الحروف الأولى للكلمة اللاتينية Jesus Nazaranous Rex Judaeoium  ( يسوع الناصري ملك اليهود )
 
- وكذلك كان يحمل يوحنا المعمدان صليباً من عود الخشب والقديسة كاترينا أما الصليب اليوناني فهو ذو أربعة أضلاع متساوية وذلك دلالة على كنيسة المسيح ويرمز به إلى تضحية المسيح من أجل خلاص البشر- الصليب المنحنى وذلك لأن المسيحيين استخدموا بعض الأشكال لتعبر عنه مثل المرساة وأحياناً مجموعة من السمك والحرفين الأولين لكلمة المسيح باليونانية  والمرساة المرتبطة بحرفي  الألفا والأوميجا (w ،α ) – المرساة ملتصقة بالسمكتين – المونوغرام وهو استخدام حرفي  وقد وجد على عملات من عهد قسطنطين رسم حولها الحرفان (w ،α ) رسم داخل دائرة إشارة للأبدية واستخدم فى أعلام قسطنطين والسراديب ومقابر الشهداء وفى الأيقونات القبطية أحياناً ينقش عليها الحروف وتشير إلى كلمة الغلبة أو النصرة وأحياناً يكتب عليها الحروف الأولى من اسم يسوع المسيح  - (NIKA) تعنى الانتصار ويوجد أشكال للصليب تأخذ أسماء القديسين الذين صلبوا عليه مثل : صليب القديس أندراوس (×) – القديس بطرس – القديس فيلبس
 
 *الصلبان القبطية :
لقد حرص الأقباط على إعلان الصليب من خلال العمارة القبطية (تيجان الأعمدة- أبواب الكنائس- الأيقونات- شواهد القبور) أدوات الزينة القبطية أمثلة (الأمشاط) والأواني الفخارية والقباطي (الأنسجة القبطية) وملابس الكهنوت- وكذلك فى المخطوطات القبطية وفى المعادن مثل أواني  المذبح وحافظة الكتب ونجده متداخل مع علامة الحياة (الأونخ) معها حرفي ألفا وأوميجا 
 
(w ،α ) ليؤكد لاهوت المسيح – ونجد صليب قبطى على شكل علامة الحياة على جانبيه طائران يرمزان لشعبي  العهد 
القديم والجديد يتطلعان إلى الصليب كمصدر لحياتهم .
 
 1- دورة الصليب والشعانين :
تعمل دورة الصليب مرتين فى السنة فى عيدي  الصليب يوم 17 توت ويوم 10 برمهات ودورة الشعانين باكر أحد الشعانين حيث يطوف الكهنة والشمامسة حول المذبح 3 مرات ويطوفون فى الكنيسة 3 مرات ويعودون ثانية للهيكل يطوفون مرة واحدة وتقرأ اﻷناجيل كالتالي :
 1 - المكان : أمام الهيكل الكبير
 * فصل اﻹنجيل :(يو 1 :44 -22)
* مضمونه :دعوة نثنائيل
* مرد اﻷنجيل :الأربع حيوانات
2 - المكان :أمام أيقونة السيدة العذراء
*فصل اﻹنجيل :(لو 1 :39 -56)
*  مضمونه : زيارة العذراء لإليصابات
* مرد اﻹنجيل :(نعظمك باستحقاق)
3- المكان :أمام أيقونة الملاك غبريال
* فصل اﻹنجيل :(لو1 :26 - 38)
* مضمونه :بشارة الملاك للعذراء
* مرد اﻹنجيل :(غبريال الذى رآه دانيال)
4 - المكان :أمام أيقونة الملاك ميخائيل
* فصل اﻹنجيل :(مت13: 44 -52)
* مضمونه :مثل الملكوت(الشبكة- تاجر الآلىء)
* مرد اﻹنجيل :ميخائيل رئيس السمائيين
5- أمام أيقونة مارمرقس
(لو10 :1-12)
إرسالية السبعين رسول
يا مارمرقس
6- أمام أيقونة سادتنا الرسل
(مت10 :1-8)
دعوة الأثنى عشر- الإرسالية
أرسلكم يسوع المسيح
7- أمام أيقونة مارى جرجس
(لو21 :12-19)
ما سوف يحدث من اضطهاد
7 سنين أكملها
8 -أمام أيقونة الأنبا أنطونيوس
(مت16 :24-28)
دعوة التلاميذ للكرازة من يأتى ورائى
صلوا من قلوبكم أفكار الشر...
9-أمام الباب البحرى
(لو13 -30)
المجىء الثانى والدينونة
إذ أتيت فى ظهورك الثانى
10- مكان المغطس(اللقان)
(مت3 :13-17)
يوحنا المعمدان ومعموديةالمسيح
شهد يوحنا فى الأربعة
11- أمام الباب القبلى
(مت21 :1-11)
دخول المسيح أورشليم
الجالس على الشاروبيم
12-أيقونة يوحنا المعمدان
(لو7 :28-35)
الشهادة ليوحنا المعمدان
لم يقم فى مواليد النساء....
الصلاة بطقس فرايحى يوم 1 توت حتى 17 توت عيد الصليب
 
 هل تعلم ؟
أن كلمة صليب وردت 28 مرة فى العهد الجديد ولكن الفعل بصلب 46 مرة . وهناك أشخاص صلبوا قبل مثل هامان بن همداثاوأولاده العشرة – ملك أريحا – الخباز فى قصة يوسف – عوج ملك باشان وملك الأموريين – ثلاثة من أولاد شاول بن قيس – اللص اليمين والشمال وبطرس وأندراوس ورب المجد قدس الصليب .
 
*الصليب فى الكنيسة :-
بصلب الرب يسوع تغير مفهوم الصليب من اللعنة للبركة وصار الصليب يعنى كل عمل فداء الذى أكمله الرب يسوع بموته الكفاري وكذلك هو المصالحة (2كو 5: 19) وهو يعني رمز اتحادنا مع المسيح ويعني الإتحاد مع المسيح فهيا بنا عزيزى القارىء لنعرف مكانة الصليب فى طقوس وقراءات وألحان الكنيسة .
 
أولاً: عقوبة الصليب قديماً وطريقة الصلب:
لم تكن وسيلة الإعدام فى العهد القديم بل كان الرجم ولكن يعلق على خشبة ليكون عبرة ويجب أن لا تثبت الخشبة على الخشبة ولكن تدق فى نفس اليوم وكان رمز للإذلال العار وكانت عبارة عن عمود ويعلق عليه المجرم حتى الموت جوعاً وعند الرومان صار على شكل T (الصليب اللاتين ) وخشبتين متساويتين متقاطعتين (الصليب اليوناني) + واستخدمها الأسكندر الأكبر أى عقوبة الصليب وعند الرومان كان الصليب عقوبة العبيد والثوار وقليلاً ما يستخدم لإعدام مواطن روماني وبعد الحكم بالصلب يجلد المجرم عارياً ويحمل المجرم صليبه حتى يطرد الشخص خارج المدينة (يسير شخص أمامه حاملاً لوحه بها العقوبة أو يعلقها هو فى رقبته) .
 
* يلقى المحكوم عليه بالصلب أرضاً على الصليب وتربط براه أو ذراعاه أو تسمران إلى الصليب يثبت الصليب رأساً بحيث لا تلامس القدمان الأرض ولكن ليس بالإرتفاع الكبير الذى يبدو عادة فى الصور وثقل الجسم يرتكز على خشبة تحت الرجلين حيث يقوم الجنود بكسر الساقين ليتحقق المحكوم عليه بالإعدام والمسامير الذراعين وليس اليدين . 
 
ثانياً : من الذين صلبوا قبل وبعد المسيح ؟
1- رئيس الخبازين الذى فسر له يوسف الحلم (تك 40: 22) يدل على أن المصريين استخدموا هذه الوسيلة للإعدام.
2- ملك عاى بعد انتصار بنى اسرائيل عليهم (يش8 :29) دليل على أن بنى اسرائيل استخدموا هذه الوسيلة للإعدام .
3- هامان بن همداثا فى قصة أستير(اس7 :10) دليل على أن الأشوريين أستخدموا هذه الوسيلة للإعدام .
4- اللص اليمين (ديماس) واللص الشمال (جستاس أماخوس) .
5- القديس بطرس صلب منكس الرأس والقديس أندراوس أخيه.
 
ثالثاً : الصليب فى السنكسار :
1- يذكر السنكسار تحت اليوم 17 توت ظهور الصليب على يد الملكة هيلانة التى نذرت إن انتصر ابنها الملك قسطنطين وأهتدى للمسيحيين سوف تبنى كنيستك وتكتشف خشب الصليب فذهب إلى أورشليم وذهبت إلى كوم الجلجثة الذى أستمر اليهود فى تكوينه 200 سنة وضعوا زبالة على الصليب لأنه ظهر كثير المعجزات استدعت رجل يهودى مسن اسمه يهوذا واكتشفوا 3 صلبان وعبرت جنازة وأقام الصليب هذا الميت فبنت الملكة هيلانة كنيسة الصليب المقدس .
 
* قصة اسحق السامرى :-
حيث كان يبكت الناس على السجود على خشبة الصليب فغار القس أوخيدوس عندما عطش الناس ووجدوا بئراً مياهه نتنة فضاق صدر الناس وصلى القس أوخيدوس فصار الماء حلواً للشعب نتناً لأسحق السامري فندم وصار مسيحياً وأعتمد هو وأهل بيته وصار هذا البئر مياهه حلوة للمؤمنين ونتنة لغير المؤمنين  .
 
2- يذكر السنكسار تحت يوم 16 توت تذكار تكريس هياكل القيامة والجلجثة وبيت لحم والمغارة العلية الجسمانية وسائر الهياكل حيث تم البناء فى السنة الثلاثين للملك قسطنطين ودشنها  البابا أثناسيوس الرسولي وبطريرك القسطنطينية وبطريرك أنطاكية وأسقف القدس وذلك عام 326م .
 
3- ويذكر السنكسار تحت يوم 10 برمهات حيث عندما هزم امبراطور هرقل الفرس عام 627م وعند مرورهم على بيت المقدس دخل أحد أمراء الفرس كنيسة الصليب وأراد أن يمد يديه على خشبة الصليب فخرجت نار وأحرقت أصابعه وأعلمه النصارى  أنها قاعدة الصليب فأحتال على شماسين كان قائمين على حراستهم واعطاهم ذهب معه ووضعها فى صندوق وذهب إلى بلاد الفرس وعندما علم هرقل بذلك ذهب بجيشه إلى بلاد الفرس وحاربهم وخزلهم وقد دفنهم الأمير الفارسي  فى بستان عنده وقتل الشماسين ورأت ذلك أحدى سباياه  وهى ابنة أحد الكهنة وأعلمت الملك هرقل وأخرجوا قطعة الصليب المقدس سنة 628م ولفوها فى ثياب فاخرة وأخذها هرقل إلى مدينة القسطنطينية.
 
ثالثاً : الكتاب المقدس الصليب :-
لقد وردت كلمة صليب 28 مرة فى العهد الجديد ولكن الفعل (يصلب 46 مرة) والكتاب المقدس يدور محوره حول الفداء واستمرار ذبيحة الصليب فهى ذبيحة أبدية لا تنتهي . علامة ابن الإنسان فى المجيء الثاني .
 
وهكذا صار الصلب علامة فخرنا نعلقه على صدورنا ونرسمه على أيدينا ونحمله روحياً فى سمات أجسادنا الرب يعنينا .