القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف

الإنجيل من مرقس (10: 17–27)
    «وَفِيمَا هُوَ خَارِجٌ إِلَى ٱلطَّرِيقِ، رَكَضَ وَاحِدٌ وَجَثَا لَهُ وَسَأَلَهُ أَيُّهَا ٱلْمُعَلِّمُ ٱلصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ ٱلْحَيَاةَ ٱلْأَبَدِيَّةَ.  فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحًا. لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ ٱللهُ. أَنْتَ تَعْرِفُ ٱلْوَصَايَا: لَا تَزْنِ. لَا تَقْتُلْ. لَا تَسْرِقْ. لَا تَشْهَدْ بِٱلزُّورِ. لَا تَسْلُبْ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُ يَا مُعَلِّمُ، هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ ٱلْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي ٱلسَّمَاءِ، وَتَعَالَ ٱتْبَعْنِي حَامِلًا ٱلصَّلِيبَ. فَٱغْتَمَّ عَلَى ٱلْقَوْلِ وَمَضَى حَزِينًا، لِأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ.  فَنَظَرَ يَسُوعُ حَوْلَهُ وَقَالَ لِتَلَامِيذِهِ: مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ذَوِي ٱلْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ. فَتَحَيَّرَ ٱلتَّلَامِيذُ مِنْ كَلَامِهِ. فَأَجَابَ يَسُوعُ أَيْضًا وَقَالَ لَهُمْ: يَا بَنِيَّ، مَا أَعْسَرَ دُخُولَ ٱلْمُتَّكِلِينَ عَلَى ٱلْأَمْوَالِ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ.  مُرُورُ جَمَلٍ مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ ٱللهِ.»

    يا سيدي.. ماذا عن هذا الشاب الذي ركض إليك، وجثا على ركبتيه أمامك. وسألك عن الحياة وميراث الأبد؟ ثم ما هو سِرّ ارتداده على الفور، ورجوعه حزينًا مغمومًا؟

    حسب الجسد، جَرَى وركع وسأل.. هذا من الخارج، وحسب الداخل كان عابدًا لأمواله.
    فكيف يستقيم الحال؟
    ولمصلحة مَن صارت النهاية؟
    وأيّ الطريقين اختارَ؟
    شيء مؤسف حقًّا!!

    علِّمني أن يتصالح الداخل والخارج في حياتي، فلا أُظهِر غير ما أُبطِن. ولا أعبد بقلب مُنقسِم.. بل ليخدم جسدي حركات قلبي.. فلا أعرف آخرَ سواك.
    ماذا تنفع عبادةٌ حسبَ الجسد.. حركات الجسد في الصلاة والركوع والسجود والصوم والأتعاب.. إن لم يكن الداخل مستقيمًا في حُبّ يسوع؟
    أصل العبادة هو القلب لا الجسم.. دَعني أبدأ بتنقِية دوافعي، قبل أن أُصلّي، وقبل أن أصوم، وقبل أن أعطي، لئلا أكون أتعب باطلاً، وتَذهَب حركاتي هباءً. لأنّ قلبي مربوطٌ برباطات.

    يا سيّدي.. أنت فاحص القلوب!!
    الأمر عند الشاب كان، أن يحفظ بعض الوصايا كأنّه يداين الله.. هذا فكر اليهودي الفرّيسي: عَمَلُ الواجبات نحو الله. ويا ليته عمل كلّ الواجبات.. ولكنّه أغفل أهمها، وهي حُبّ الربِّ مِن كلّ القلب، ومِن كلّ الفِكر، ومِن كلّ القوّة ومِن كلّ القدرة.

    عَجِبتُ أنّ الربّ لم يَقُل له الوصايا بحسب ترتيبها، كما هي مكتوبة في الناموس، ولكِن بترتيب قُدرتِهِ على حفظها، بحسب فهمه. وجاء آخرها إكرام الأب والأم.. التي هي سابقة على كلّ الوصايا تجاه الناس. الوصايا الأولى في الناموس تخصّ علاقة الإنسان بالله، ثم وصيّة إكرام الوالدين، ثم ما يربط الإنسان بحقوق الآخرين في المعاملات.

    يا سيدي.. إن حصلتُ على ما يربطني بحبّك في المقام الأول، فسينضبط سلوكي تجاه الآخرين بالتبعية. ولكن إن لم يَسكُن حُبّك ويملك على قلبي، فهيهات أن يَخرُج من تصرفاتي شيءٌ فيه صلاح.. أنت وحدك ينبوع الصلاح.

    ما أضعف قلب الإنسان عندما يستهويه شيء.. إنّه مِن المُمكِن أن تستولي على قلب الإنسان أمور تافهة جدًّا، يتعلّق بها ويُستعبَد لها، فتسلِبه السعي نحو ملكوت الله.. قلب الإنسان ضعيف.. ضعيف، حين تملكه شهوة التملّك.. حين تستهويه شهوة العيون.. حين يطمع في الدنيا.. حين يجري وراء السراب.

    في يقيني أنّ الغِنى أو الممتلكات الأرضيّة، ليست هي السبب على الاطلاق، لأنّه كم من أغنياء أتقياء.. ولكن حُبّ القنية حينما يصيب القلب يُفسده.. فهل ممكن يا سيّدي أن أقتني أملاكًا، ولا أتعلّق بها في قلبي؟

    علِّمني يا سيّدي، بل حرِّر قلبي من كلّ شوائب الحُبّ المؤدِّي إلى الموت.. اجعلني استعمِل العالم فقط، ولكن قلبي لك.

* «اِذْهَبْ وبِعْ»
    هذه الحركة تحتاج إلى شجاعة، وتحتاج إلى نعمتك.. هذه دعوة للحُرِّيَّة لمَن يَفهم كلامك يا ربّي يسوع.. قبَلَها مَن انفتحتْ بصيرتهم، ونفّذوها حرفيًّا، كمثال القديس أنطونيوس. وعاشها ملايين الأتقياء في حُرّيّة مجد أولاد الله. مهما اؤتمِنوا على مِلكيّات أرضيّة مادّيّة. ولكنّ قلوبَهم ظَلّتْ مِلكًا لك وحدك، ومسكنًا لمجدك.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف