خالد منتصر
الكوميديا من أصعب فنون الكتابة، فهى تخاطب العقل أكثر من دغدغة المشاعر التى هى ملعب التراجيديا، والكوميديا فى مصر أصعب، لأن الكوميديا تلعب على التناقضات، والجمهور فى مصر يتعامل فى الشارع مع تناقضات كوميدية طوال الوقت، فأن تقدم له جديداً يضحكه فهذه مهمة ثقيلة وصعبة، لأننا تعودنا منذ فترة على الممثل الكوميدى، الذى يعتمد على طريقة نطق غريبة أو عاهات جسدية أو سخرية من كومبارس وتنمر عليه أو صفعه حتى يستدر ويغازل قطاعات من المشوهين نفسياً واجتماعياً.. إلخ.
حقق مسلسل «بابا جه» تلك المعادلة الصعبة، كوميديا جديدة وإن كانت مقتبسة من كتاب كورى، إلا أن الكتابة مصرته ومنحته الطعم المصرى المميز، وختمت عليه بختم المحروسة «صُنع فى مصر»، المسلسل قماشته واسعة، لأن فكرته الجوهرية تسمح بذلك، فهى عن الأب الذى يجلس فى البيت بلا عمل، وتضطره الظروف أن يعمل أباً بالإيجار لعائلات تضطرها الظروف للبحث عن أب بديل، هذه الظروف من الممكن أن تكون انفصالاً أو انشغالاً أو إهمالاً.. إلخ.
فكرة مبتكرة وتسمح بمساحات كوميديا عالية، ومواقف باسمة متنوعة لا تحتاج إلى تنمر أو بهلوانيات لكى تُضحكنا بطريقة فجة ومبتذلة، البداية عندما تسمع الابنة مشاجرة بين الأب والأم تنتهى بأن تصفه الأم بأن مالوش لزمة، وفى حفلة المدرسة عندما تسأل المدرسة الطفلة عن الشىء الذى فى حياتها يستحق أن تتبرع به لأن مالوش له لزمة، فتشير إلى الأب، البداية صدمة ميلودرامية فاجعة، كيف أخذها المسلسل لمساحة كوميديا، هذا هو الذكاء، أن تولد بنعومة من خلال موقف صادم كوميدياً، ثم تخرج برشاقة لضحكة وبسمة من موقف وليس من مونولوجات تتخللها نكت.
المسلسل يُقدّم كوميديا رشيقة، واللعب مع الأطفال يمنح المسلسل مذاقاً جميلاً لا يحتاج إلى بهارات من الألفاظ الخارجة أو الإيحاءات التى خارج سياقها لمجرد زغزغة الجمهور، فيعود المخرج خالد مرعى إلى كامل لياقته الفنية ويقدّم خلطة فنية جميلة سهلة الهضم وممتدة التأثير والمتعة.
أكرم حسنى بحس الكتابة الكوميدية الذى يمتلكه بات يعرف كيف يستغل المنطقة الكوميدية، وكيف يصل إلى قمتها دون أن تكون ممجوجة، يضحكنا بسلاسة وبدون «حزق». أكرم حسنى نجم كوميدى يعرف جمهوره جيداً واكتسب جمهوراً جديداً من الأطفال أضيف إلى رصيده الفنى الغنى. نسرين أمين خرجت من عباءة «حملة فريزر» وأثبتت أنها فنانة ممثلة أكبر من أن تُحصر فى إيفيه أو تُسجن فى طبيعة دور، أوتاكا طاقة كوميدية تحتاج استغلالاً أكبر ومساحات أوسع لكى تنطلق أكثر، الأطفال اختيارات كلها جيدة، الكاتب وائل حمدى استطاع التقاط الخيط الكوميدى فى كل المواقف، ولم يقع فى فخ التكرار أو التطويل الممل، شكراً لفريق عمل «بابا جه»، وشكراً لـ«المتحدة» على تلك الوجبة الكوميدية الممتعة.
نقلا عن الوطن