القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف
الإنجيل مِن متّى (15: 32–38)
«وَأَمَّا يَسُوعُ فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ: إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟ فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟ فَقَالُوا: سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ. فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْجَمْعَ. فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَل مَمْلُوءَةٍ، وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ».
إنجيل اليوم هو إنجيل الشَّبَع في البَرّيّة. بادئ الأمر أنّ الربّ أشفَقَ على الجموع السائرين معه ثلاثة أيام وقال: «لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ». ففي أيّام الصوم هذه، أتفَكَّر في هذا الإنجيل وأُرَكِّز ذِهني وأوحِّد قلبي نحو ذاك الذي أشفَقَ وتحنّنَ. وأثق ثقة كاملة فيما قال، وفيما فعل. ينفعل قلبي بشكرٍ جزيلٍ، وأُدرِكُ بركة السير معه والصوم معه.
لقد نَسِيَ الجَمْعُ السائر معك يا سيّدي.. نسوا طعام الجسد حين أشبعتَهم من كلام الحياة الأبدية.. لأنّ كلامك هو روح وحياة. فقد أشبعتَ أرواحهم قبل أن تُشبِع أجسادهم. وأنت وحدك القادر. ألم تهتمّ بالشعب في القديم، السائرين معك، الذين أخرجتهم بقوّة ذراعك من أرض مصر، وعُلتَهم بالمَنّ النازل من السماء، والماء النابع من صخرة الصوّان؟!
فها أنا آتِ إليك يا سيدي، لكي تسدّ احتياجي مِن جِهة روحي الجائعة حقًّا.. كما قيل في القديم: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ، أُرْسِلُ جُوعًا فِي الأَرْضِ، لاَ جُوعًا لِلْخُبْزِ، وَلاَ عَطَشًا لِلْمَاءِ، بَلْ لاسْتِمَاعِ كَلِمَاتِ الرَّبِّ» (عاموس8: 11). نعم عطشت نفسي إليك، لذلك أُبكِّر في الصلاة، وأنت تُشبِع في الجُدُوب نفسي.
إنّ الاختبار الحقيقي للصوم ليس هو قدرة الجسد أن يحتمل الجوع والعطش، بل هو أنّ الروح تُدرِك الحياة والشبَع الداخلي، وتتلذّذ بالدَّسم، كما قيل في سِفر التثنية (32: 14) أنّك أطعمتَهم من دسم شحم الحنطة، ودم العنب؛ الذي هو جسدك المقدّس ودمك الكريم، للحياة الأبدية.
قال التلاميذ: «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟» وأنت قائم في وسطهم، كيف لم يدركوا؟ حقًّا ما قاله الروح: «لمْ يَفْهَمُوا... إِذْ كَانَتْ قُلُوبُهُمْ غَلِيظَةً» (مر6: 52).
يا سيدي، أتجاسر وأطلب إليك، أن تعطي لعبدك الإدراك الحقيقي لوجودك الدائم أمامي ومعي وفيَّ، فلا أسأل: مِن أين؟ أو كيف؟ فمعك لا سؤال ولا إعجاز، وأنت هو أنت ولا شيء غير مستطاع لديك. أنت إله المستحيلات، وأنا إن كنت في الإيمان الحقيقي أعيش، فكلّ شيء مستطاع للمؤمن. هذا وعدك. لقد قلتَ لحزقيال في الرؤيا: كُلْ ما تجده –حينما قدّمتَ إليه كلامك مكتوبًا، ظاهريًّا وباطنيًّا- «أَطْعِمْ بَطْنَكَ وَامْلأْ جَوْفَكَ» (3:3)، فأكَلَ ما لا يؤكَل حسب الظاهر، وذاق حلاوة الكلمة كالعسل، ومرارة فِعلِها العجيب في الداخل.
يا سيدي «فِي يَمِينِكَ شِبَعُ سُرُورٍ» (مز16: 11)، ووُجِدَ كلامك حلو.. فاجعلني أجوع إليك.. أجوع إلى الشبع بكلامك، والبهجة بكلامك.. «أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً (غِنى جزيل)» (مز119: 162).
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف