عادل نعمان
ونقول ويجعل كلامنا «خفيف عليهم»: شهر «ناتق» هو شهر رمضان قبل الإسلام، وهو من «الرمض أي الاحتراق، والرمضاء أي شدة حرارة الحجارة والرمل» ولأن الصوم عبادة قديمة فقد قيل إنهم أسموه كذلك «لارتماضهم» فيه من الحر والعطش والجوع، ولقد سمى العرب القدماء الشهور بالأزمنة وأحوال الطقس التي تصاحبها، كرمضان من الرمضاء وشدة حرارة الجو، وشهر «المحرم» واحد من الأشهر الحرم، وشهر «صفر» لخلو بيوتات العرب من أصحابها وخروجهم للقتال والأسفار، وشهر «ربيع الأول» يتزامن مع قدوم الربيع و«شهر جمادى الأولى» يأتى في فصل الشتاء حيث جمود الأرض من شدة البرودة، وشهر «شعبان» وكانوا يتشعبون فيه بحثًا عن الماء لندرته، وشهر «ذى الحجة» شهر الحج، وهكذا.. وكان الكثير من أهل مكة يفرون من حرارة الجو وينقطعون للعبادة في شهر رمضان، وكان عبدالمطلب يتحنث «ينقطع للعبادة والتأمل» في هذا الشهر في غار حراء بصحبة حفيده «محمد».
فإذا كان شهر رمضان من الرمضاء وشدة حرارة الجو، فلماذا يهل علينا في الشتاء كما حدث في شهرنا هذا؟ فهل الصوم في أيامه المعدوات المحددة كما جاء بالقرآن؟!! لا ليس في أيامه المعدودات!! وهذا رأى الكثير وأنا منهم، وهذا يحتاج إلى شرح «النسيئة»، وماذا كان يفعله العرب حتى يتزامن موعد الشهر مع ميعاده الجغرافى وطقسه المحدد وهو الحاكم والسبب في تسميته، كما أوضحنا سابقًا، ولنا في هذا لقاء.
ولا نعلم على أن الصوم قد فُرض على المسلمين إلا في المدينة، ولم يُفرَض إلا بعد الهجرة، وكان أول ما فرض من صوم على المسلمين هو صوم عاشوراء قالوا: «قدم الرسول إلى المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء فسأل ما هذا؟ أجابوا: هذا يوم نصومه فقد نجى الله بنى إسرائيل من فرعون وأهله فصامه موسى عرفانًا وشكرًا، فقال: وأنا أحق بموسى منكم»، فصامه وأمر بصيامه، وزاد على اليهود صيام التاسع، وصام المسلمون تاسوعاء وعاشوراء، مخالفة لليهود، وربما كان هذا مواءمة وتوددًا لليهود لسلطتهم ونفوذهم وثرائهم وسيطرتهم الاقتصادية وحين نزلت الآية «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ» أمرهم الرسول بالصوم ثلاثة أيام أول كل شهر، إلى جانب صوم عاشوراء، ثم تيسيرًا عليهم جعل الأيام الثلاثة اختيارية من الشهر نفسه «تفسير بن كثير» إلا أن بعض الفقهاء اعتبروا أن صيام رمضان ينسخ صيام عاشوراء، حتى وإن كان الرسول لم يصرح بهذا، «أبوحنيفة» «والبعض» يرون من شاء صامه ومن شاء تركه إلا أن الشيعة تحرمه تمامًا، إلا إذا كان بقصد الحزن على الحسين وآل بيت النبوة فقط.
ولما جاء التكليف بصوم الشهر كاملًا، كان الصيام يبدأ من العشاء حتى مغرب اليوم التالى، وكان الأكل والشراب من المغرب حتى العشاء فقط، وأما عن مجامعة النساء أو مباشرة الرجل «لحريمه» فكان مسموحًا في الفترة من المغرب حتى الفجر، شرط ألا يناما بعد المغرب حتى المباشرة «المجامعة»، فإذا نام أحدهما بعد المغرب ثم استيقظ قبل الفجر وجامع بطل صومه ويعوضه في يوم آخر، أو كلاهما معًا إذا ناما وجامعا بعد النوم وقبل الفجر، ولما حدث هذا لعمر بن الخطاب، نام بعد المغرب واستيقظ قبل الفجر وجامع زوجته، فاشتكى هذا الأمر «التكليف» إلى الرسول وصعوبته عليهم وطلب التخفيف! فاستجاب الله لعمر! ونزلت الآية «أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ» وأباح لهم الرسول حرية الأكل والشراب والمجامعة بعد صلاة المغرب حتى الفجر.
وليس هناك علة أو فائدة صحية للصيام، نحن من أنصار مبدأ «العبادات توقيفية» تنفذ دون الوقوف على أسبابها، فإن الصوم أمر سيادى من الله وتكليف واجب التنفيذ.. نعم ليس غير، ولا يتشدق أحدهم أن علة الصوم أن يشعر الغنى بالفقير! فإذا كان الأمر كذلك فلماذا يصوم الفقير المعدم؟! وهو في صوم وحرمان طوال أشهر العام، ولا يحدثنى أحدهم عن فوائده الصحية وينصح به الأطباء، فإذا جئت بواحد منهم يتحدث عن فائدة الصوم على صحة الصائم فسيأتيك أحدهم بعشرات يحدثونك عن ضرر الصوم عن الأكل والشراب هذه المدة خصوصًا على المرضى وكبار السن، وكذلك على العاملين في مجالات كثيرة تتطلب جهدًا شاقًّا أو تركيزًا وانتباهًا، فلا علة ولا سبب ولا حجة للصوم، اللهم عبادة واجبة التنفيذ والقيام بها أمر إلهى وكفى لمن استطاع!! الأسبوع القادم «وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ».
الدولة المدنية هي الحل.
نقلا عن المصرى اليوم