القمص يوحنا نصيف
الإنجيل من لوقا (6: 39–49)
«وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا: هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى. أَمَا يَسْقُطُ ٱلِاثْنَانِ فِي حُفْرَة. لَيْسَ ٱلتِّلْمِيذُ أَفْضَلَ مِنْ مُعَلِّمِهِ، بَلْ كُلُّ مَنْ صَارَ كَامِلًا يَكُونُ مِثْلَ مُعَلِّمِهِ. لِمَاذَا تَنْظُرُ ٱلْقَذَى ٱلَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا ٱلْخَشَبَةُ ٱلَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلَا تَفْطَنُ لَهَا. أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لِأَخِيكَ: يَا أَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ ٱلْقَذَى ٱلَّذِي فِي عَيْنِكَ، وَأَنْتَ لَا تَنْظُرُ ٱلْخَشَبَةَ ٱلَّتِي فِي عَيْنِكَ يَا مُرَائِي. أَخْرِجْ أَوَّلًا ٱلْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ ٱلْقَذَى ٱلَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ.لِأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلَا شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. لِأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا. فَإِنَّهُمْ لَا يَجْتَنُونَ مِنَ ٱلشَّوْكِ تِينًا، وَلَا يَقْطِفُونَ مِنَ ٱلْعُلَّيْقِ عِنَبًا. اَلْإِنْسَانُ ٱلصَّالِحُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ ٱلصَّالِحِ يُخْرِجُ ٱلصَّلَاحَ، وَٱلْإِنْسَانُ ٱلشِّرِّيرُ مِنْ كَنْزِ قَلْبِهِ ٱلشِّرِّيرِ يُخْرِجُ ٱلشَّرَّ. فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ ٱلْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ فَمُهُ. وَلِمَاذَا تَدْعُونَنِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ، وَأَنْتُمْ لَا تَفْعَلُونَ مَا أَقُولُهُ. كُلُّ مَنْ يَأْتِي إِلَيَّ وَيَسْمَعُ كَلَامِي وَيَعْمَلُ بِهِ أُرِيكُمْ مَنْ يُشْبِهُ. يُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتًا، وَحَفَرَ وَعَمَّقَ وَوَضَعَ ٱلْأَسَاسَ عَلَى ٱلصَّخْرِ. فَلَمَّا حَدَثَ سَيْلٌ صَدَمَ ٱلنَّهْرُ ذَلِكَ ٱلْبَيْتَ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُزَعْزِعَهُ، لِأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى ٱلصَّخْرِ. وَأَمَّا ٱلَّذِي يَسْمَعُ وَلَا يَعْمَلُ، فَيُشْبِهُ إِنْسَانًا بَنَى بَيْتَهُ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنْ دُونِ أَسَاسٍ، فَصَدَمَهُ ٱلنَّهْرُ فَسَقَطَ حَالًا، وَكَانَ خَرَابُ ذَلِكَ ٱلْبَيْتِ عَظِيمًا».
هذا الإنجيل هو جزء من الموعظة على الجبل، بحسب ما كتب القديس لوقا الإنجيلي.
سؤال الرب: «هَلْ يَقْدِرُ أَعْمَى أَنْ يَقُودَ أَعْمَى؟» الإجابة على هذا السؤال لا تحتاج إلى تفكير. ولكنّ الربّ بهذا المَثَل الواضح كَشَفَ عن خطورة الدينونة ونهايتها الأسيفة، حينما يفتكر الأعمى أنّه مُبصِر، ويَقدِر أن يُصحّح أخطاء الناس. يرى القذى في عينيّ الآخر، أمّا الخشبة التي في عينِهِ لا يفطِن لها. وهذا للأسف الشديد حال الكثيرين منا. أخطاء الناس نراها واضحة، وهذه الرؤية ليست صادقة ولا حقيقيّة، لأنّي والخشبة موجودة في عيني يستحيل أن أرى رؤيا حقيقيّة لأنّ الخشبة في عيني تعميها.
وهكذا قال الرب: «يَا مُرَائِي» لكلّ مَن يَسلك هذا السلوك، إنّه قِمّة الرياء والادّعاء. وقد كتب القديس بولس: «أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ» (رو2: 1)، وكتب أيضًا: «وَتَثِقُ أَنَّكَ قَائِدٌ لِلْعُمْيَانِ، وَنُورٌ لِلَّذِينَ فِي الظُّلْمَةِ، وَمُهَذِّبٌ لِلأَغْبِيَاءِ، وَمُعَلِّمٌ لِلأَطْفَالِ... فَأَنْتَ إِذًا الَّذِي تُعَلِّمُ غَيْرَكَ، أَلَسْتَ تُعَلِّمُ نَفْسَكَ؟» (رو2: 19 – 21). هذا كان سلوك الفرّيسيّين، لذلك كَم بَكَّتَهُم الربّ وكَم قال لهم: «لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ»، «أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلاً دَاخِلَ الْكَأْسِ».
لذلك نَبَّهَ الربّ أرواحنا بقوله: «أَخْرِجْ أَوَّلًا ٱلْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ». هذا العمل يجب أن يُعمَل أوّلاً كقول الرب. أرجِعُ إلى نفسي وأرجِعُ إلى عَيني، ورؤيتي وبصيرتي. أُصلِحُها أولاً.. أستعيدُ سلامة النظر، وأرجعُ إلى العين البسيطة لأنّه إِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا.. انظُر لئلا يكون النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا (مت6: 22، 23).
يا رب أنعِمْ عليَّ وجَدِّد نور عيني، عيني البسيطة المُنيرة، وَنحن «نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً» (يو5: 20). لقد فتح المسيح أعين العميان وقال: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ» (يو9: 39).
+ «لأَنَّهُ مَا مِنْ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا رَدِيًّا، وَلاَ شَجَرَةٍ رَدِيَّةٍ تُثْمِرُ ثَمَرًا جَيِّدًا. لأَنَّ كُلَّ شَجَرَةٍ تُعْرَفُ مِنْ ثَمَرِهَا» (لو6: 43، 44). الأمر إذن ليس كلامًا يُقال، وشِعارات تُردَّد. الحُكم الفاصل هو الثمَر.. أي أنّ الأفعال هي التي تُظهِر الحقيقة وتكشفها. «يَرَى النَّاسِ أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ» (مت5: 16).
+ القلب هو المستودَع، ومِنه مخارج الحياة؛ فإنْ امتلأ بالصلاح يتكلَّم الإنسان بالصلاح، وإن امتلأ القلب بالشرور يتكلّم الإنسان بالشرور. ولغة الإنسان تُظهِره.
يا رب نَقِّ قلبي، فيَفيض بكلام صالح.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف