القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف
الإنجيل من متّى (7: 13 – 21)
«اُدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ، لِأَنَّهُ وَاسِعٌ ٱلْبَابُ وَرَحْبٌ ٱلطَّرِيقُ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْهَلَاكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ. مَا أَضْيَقَ ٱلْبَابَ وَأَكْرَبَ ٱلطَّرِيقَ ٱلَّذِي يُؤَدِّي إِلَى ٱلْحَيَاةِ، وَقَلِيلُونَ هُمُ ٱلَّذِينَ يَجِدُونَهُ. اِحْتَرِزُوا مِنَ ٱلْأَنْبِيَاءِ ٱلْكَذَبَةِ ٱلَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَابِ ٱلْحُمْلَانِ، وَلَكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِلٍ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ. مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ ٱلشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ ٱلْحَسَكِ تِينًا. هَكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا ٱلشَّجَرَةُ ٱلرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، لَا تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلَا شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. كُلُّ شَجَرَةٍ لَا تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي ٱلنَّارِ. فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ. يَدْخُلُ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَاوَاتِ. بَلِ ٱلَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذَلِكَ ٱلْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ. أَلَيْسَ بِٱسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِٱسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِٱسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً. فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ. ٱذْهَبُوا عَنِّي يا فَاعِلِي ٱلْإِثْمِ».
قال ربّنا: أنا هو الباب، وقال أيضًا: أنا هو الطريق. فكيف يكون ضيّقًا وكربًا؟
باب الجسد واسع للجِسدانيّين، وطريق الجسد رَحْبٌ لهم؛ فهم يحيون بحسَب شهوات الجسد وتدابيره، وهم يَجْرُون إلى لذّاته ومجده وافتخاره الباطل.
لقَد سَجّل سليمان الحكيم في سِفر الجامعة هذا الاختبار، حتى يُظهِر الخير لبني البشر في كلّ الأجيال. فمضى سائرًا في الباب الواسع والطريق الرحب، من جِهة ملذّات الجسد وشهوة العيون وتَعَظُّم المعيشة، وقال: «وَمَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا. لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ.. ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ.. فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ» (جا2: 10، 11).
+ أمّا وصيّة الربّ يسوع لنا في هذا الإنجيل «اُدْخُلُوا مِنَ ٱلْبَابِ ٱلضَّيِّقِ» فقد ربطها بالهدف الأسمَى، وهو الحياة الأبديّة «لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ» (غل5: 17)، «الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ» (غل5: 24)، ولأنّه قال: «إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي.. يَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، وَيَتْبَعْنِي» (لو9: 23).
فإن كان ثمّة جهادات كثيرة وأصوام وسَهَر وعبادة، تبدو من الخارج أنّها صعبة أو أنّها تضييق، ولكن واقعها الحقيقي أنّ الذين اجتازوها بالمسيح صاروا يحيون الحياة الأبدية. كقول الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس «أَمْسِكْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي إِلَيْهَا دُعِيتَ» (1تي6: 12).
ولمّا اختبر الآباء الدخول من الباب الضيق، والسير في الطريق الكرب، ساروا تحْمِلهم النعمة وتشملهم التعزيات، بل صاروا يقولون: «أُسَرُّ بِالضِّيقَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ.. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ بالضِّيقَاتِ» (2كو12: 10)، وكقول الإنجيلي يوحنا: «وَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً» (1يو5: 3)، وقول ربّنا يسوع نفسه: «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي... لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ» (مت11: 29، 30). وقد كُتب أيضًا إنّ «خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كو4: 17)، والقديس بطرس يقول: «يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إِلَى مَلَكُوتِ رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيِّ» (2بط1: 11).
+ «أَنْتُمْ سَتَحْزَنُونَ، وَلكِنَّ حُزْنَكُمْ يَتَحَوَّلُ إِلَى فَرَحٍ» (يو16: 20).
+ «إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ» (رو8: 17).
فإن كانت الحياة الأبديّة هي الجعالة والهدف، فستهون كلّ الآلام والضيقات «بَعْدَ مَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ» (1بط5: 10)، «نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ، احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ» (عب12: 2).
مع هذا الباب الضيق والطريق الكرب، نادى يسوع قائلاً: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (مت11: 28). فالدعوة الإلهية من فمه المبارك، لجميع التعابَى وثقيليّ الأحمال، بلا قيد وبلا شرط. فإن لم يكن قد قالها الربّ هكذا فمَن يُصَدِّق؟ إنّها أكبر من أن يستوعبها العقل، شيء فائق بالحقّ. وهذا يضعنا في الحال أمام السؤال: أين أنا مِن هذه الدعوة الإلهيّة؟ هل أنا مُتعَبٌ بالحقّ وحملي ثقيل؟ والبديهي أنّ الردّ على هذا السؤال من واقع الحال العملي واليومي: أنّه لا يوجَد أحدٌ كائن مَن كان، لا يشكو ويئن من الأتعاب وثقل الأحمال.
وإن كان باب المسيح هكذا مفتوحًا ودعوته قائمة، فماذا إذن؟ هل قَلّ الإيمان؟ وعسر التصديق؟ وحين يقول السيّد "أنا أريحكم"، فهل يوجد آخر؟ وحين يقول "أنا أريحكم" أليس هو القادر على كلّ شيء؟! إنّه هو الذي يقول: تعالَ. والأمر لا يحتاج إلى تفكير.. يحتاج إلى حركة.. أقوم وأذهب.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف