حمدى رزق

إذا أعطيتنى سمكة أطعمتنى يومًا، وإذا علمتنى الصيد أطعمتنى كل يوم، مفهوم بالضرورة أن يكون لديك ابتداء صنارة وطعم للصنارة، وأيضًا أن يكون هناك سمك فى المياه. خلاصته مهما ألقيت من أسماك طازجة فى الأفواه الفاغرة، ستظل الأيدى ممدودة تتسول طعامًا!.

 

على ذكر الزكاة، والجمع زكوات، وحصادها السنوى يتراوح ما بين 70 مليارًا و79 مليار جنيه سنويًا، والأرقام تقديرية ومنشورة. كيف تترك هذه المليارات نهبًا موزعًا بين الجمعيات الخيرية والعاملين عليها، دون مشروع استثمار قومى منتج يسد جوع الطيبين، ويلبى تطلعات المجتهدين إلى فرصة عمل منتجة وشريفة.

 

للأسف، ومعلوم غير منكور، النزر اليسير من الزكوات فحسب يذهب إلى مصارفها الشرعية، دون تفكر وتدبر لإمكانية استثمار الحصاد الطيب لصالح المجموع الوطنى، وهذا ليس خروجًا على حديث المصارف الشرعية، بل يصب فى المصرف الرئيس (فى سبيل الله) الذى يحقق المقاصد الشرعية جميعًا.

 

الدكتور «شوقى علام» مفتى الجمهورية بشجاعة يلفتنا بشدة إلى أن هناك حاجة لتنظيم توزيع أموال الزكاة على مصارفها الشرعية، بوضع سياسة واضحة لإدارة شؤون الزكاة. فضيلة المفتى يؤكد أن الأمر لا يتعلق فقط بزكاة المال، لكن أيضًا زكاة الأبدان/ زكاة الفطر والأضاحى والعتق وغيرها التى تشترك جميعها فى هدف التكافل الاجتماعى.

 

ليس ببعيد عن مقترح فضيلته، ما صرح به الدكتور «على جمعة»، مفتى الجمهورية السابق: « يجوز عمل مشاريع استثمارية وإنتاجية بأموال الزكاة والهبات والصدقات لدعم الاقتصاد الوطنى».

 

تخيل من الخيال المحلق، صندوقًا قوميًّا موحدًا لجمع الزكاة، يقوم عليه مؤتمنون من صناع الخير، يجتهدون لاستثمار جُعل معتبر من هذه المليارات فى إقامة مشروعات صناعية وزراعية وخدمية.. (دون جور على المصارف الشرعية المعتمدة قرآنيًّا).

 

تخيل كمْ مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا يؤسس سنويًّا، لو كل مشروع تكلف 100 مليون جنيه، المليار ألف مليون، هكذا نرفد الاقتصاد الوطنى سنويًّا بعدد مقدر من المشروعات المنتجة، ونوفر رقمًا معتبرًا من الوظائف الفعلية المنتجة، ولكفينا عددًا من الأسر الرزق الحلال من كد وعمل منتج وخلاق، نعلمهم صيد السمك كما يقول المثل الصينى أعلاه. معلوم مصارف الزكاة فى الشرع محددة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع، «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة/ 60).

 

 

سقط فى الطريق، بالتقادم، مصرفا (المؤلفة قلوبهم وفى الرقاب)، واجتهاد معتبر يقول: إسهام الزكاة فى الإنفاق المجتمعى يدخل فى باب «فى سبيل الله»، وهو مصرف رحيب يتسع لكل وجوه العمران.

 

أبدًا ليس تغييرًا فى مصارف الزكاة الشرعية أو تبديلًا، ولكن رغبة فى تعظيم الفائدة، والقيمة المضافة لأموال الزكاة. مثل هذه الأفكار المنتجة لفرص العمل تستأهل تفكيرًا معمقًا من المراجع الدينية والاقتصادية، ويقينًا لدينا من الخبراء الثقات من يقوم على إنضاج مثل هذه الأفكار، خارج صندوق الزكاة المغلق على مصارفه الثمانية المقررة نصًّا وتقبل الاجتهاد، «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» (النحل/ 43).

 

خلاصته، نمتلك محفظة زكاة مالية معتبرة، بأرقام مليارية يستوجب تسهيلها لصالح الاقتصاد الوطنى باعتباره مصرفًا زكويًّا غائبًا عن الاجتهاد الفقهى.

نقلا عن المصرى اليوم