15 / 22
يوم الأحد من الأسبوع الثاني
القمص يونان نصيف
الإنجيل من متّى (4: 1 – 11)
«ثُمَّ أُصْعِدَ يَسُوعُ إِلَى ٱلْبَرِّيَّةِ مِنَ ٱلرُّوحِ لِيُجَرَّبَ مِنْ إِبْلِيسَ. فَبَعْدَ مَا صَامَ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، جَاعَ أَخِيرًا.
فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِ ٱلْمُجَرِّبُ وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ فَقُلْ أَنْ تَصِيرَ هَذِهِ ٱلْحِجَارَةُ خُبْزًا.
فَأَجَابَ وَقَالَ: مَكْتُوبٌ لَيْسَ بِٱلْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا ٱلْإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ ٱللهِ. ثُمَّ أَخَذَهُ إِبْلِيسُ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ ٱلْمُقَدَّسَةِ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى جَنَاحِ ٱلْهَيْكَلِ، وَقَالَ لَهُ: إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلَائِكَتَهُ بِكَ، فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لَا تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ.
قَالَ لَهُ يَسُوعُ: مَكْتُوبٌ أَيْضًالَا تُجَرِّبِ ٱلرَّبَّ إِلَهَكَ.
ثُمَّ أَخَذَهُ أَيْضًا إِبْلِيسُ إِلَى جَبَلٍ عَالٍ جِدًّا، وَأَرَاهُ جَمِيعَ مَمَالِكِ ٱلْعَالَمِ وَمَجْدَهَا، وَقَالَ لَهُ: أُعْطِيكَ هَذِهِ جَمِيعَهَا إِنْ خَرَرْتَ وَسَجَدْتَ لِي.
حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ٱذْهَبْ ياشَيْطَانُ. لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: لِلرَّبِّ إِلَهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ. ثُمَّ تَرَكَهُ إِبْلِيسُ، وَإِذَا مَلَائِكَةٌ قَدْ جَاءَتْ فَصَارَتْ تَخْدِمُهُ».
يا سيّدي الربّ يسوع.. يا مَن صام عنا أربعين نهارًا وأربعين ليلة..
يا ليتك تقود خطواتي في هذه الأربعين المقدسة، وأنا في مَعِيّتك.. خذ بيدي يا سيّدي، وأدخِلني إلى البرّيّة.. وإن تَعَذَّر ذلك بالجسد.. ولكن أَدخِلْ روحي إلى برّيّة الصوم.
ضغوط الحياة اليوميّة وهمومها وانشغالاتها، أطبقَتْ على نفسي.. تكاد تخنق الروح في داخلي.
الخطايا المُحيطة، وقُوَى الشرّ، وتَصَارُع مَحموم، يملأ الكون الآن.. أطماع تأخذ شكل الطموح، وحَيَدَان عن الحقّ بمكرٍ وقُوَى شيطانيّة.
شهوات اشتعلت نيرانُها، تكاد تحرق العالم كلّه، وليس مَن يُطفئ.. جرْي وراء الأباطيل ومجد العالم الكاذب.
مجد باطل، ومظاهر تخفي وراءها أهوال من الفساد.. هذا يحيط بنفسي يا سيّدي.. وكيف لي أنا الضعيف أن أواجه تيّارات كهذه؟ وأمواج بحر مُزبِد، ورياح عاتية تُغرِّق حتّى الكبار؟!
ملَّتْ نفسي الصِراعات.. أتضرّع إليك صارخًا.. احتاج إلى السلام فيك.. هدِّئ مِن رَوعِي، وانتهِرْ الأمواج عنّي فتسكت.
خذني يا سيّدي معك وفيك، وادخُل بي إلى برّيّة الصوم.. هناك أمكثُ معك أربعين يومًا وأربعين ليلةً.. فيها لا أرى سواك.. نعم يا سيدي.. لا أريد أن أرى سواك.. وهناك تهدأ نفسي، وأكتشف فيها ضعفي، وأنت تداوي جراحات نفسي..
هناك أقول لجسدي: خُذْ كفاف ما يقوتك، ولا تُفوِّت على روحي فرصة التوبة وتصحيح ما فسد فيها.. داوي يا سيدي بصومك نقائص صومي.. اجعل صومي مقبولاً قدّامك.
سنوات كثيرة كان صومي مجرّد تغيير طعام.. فحُسِبَ عليَّ خسارة لا ربح، إذ لم تَجْنِ روحي من صومي شيئًا.. لم تتغير في هذه السنوات طِباعي ولا أخلاقي، ولم أتقدّم نحوك.. حتى إذا ما انتهى الصوم، عُدتُ إلى سابق سيرتي.
أشتهي أن يكون هذا العام مختلفًا، عن ما سبق من أعوام.. فليس لي برنامج، ولا أعزِم أو أعِد بأنّني سأفعل.. لقد فشلتُ في كلّ هذا، ولكن سأسلّم نفسي في يديك لتَعمل أنت.. أنا أو أي أحد لا يستطيع أن يُخَلّص نفسه، ولكن أنت مخلّصي.
أنا أثِق وأؤمن أنّك ستعَلّمني في هذه الأربعين المقدسة.. علِّمني الصلاة كمبتدئ.. بل ضَع في قلبي كلمات الصلاة، لينطِقها روحك في داخلي.. أَلهِبْ قلبي فيلهج بحمدك وحبّك.
علِّمني صلاة القلب.. وتَعَهَّد قلبي ونَقِّهِ يا سيدي.. لقد أفسدَته خطايا الدينونة وعدم محبّة القريب. وتَدَنَّسَ برجاسات الأمم الذين لا يعرفون الله.. ولكن قلبي يحبّك يا سيّدي.. قَدِّسْه بقداسة صومك عنِّي.
علِّمني الهدوء والسكون والصمت.. كفى كثرة كلام.. لم تَخْلُ من معصية.. درِّبني يا سيّدي.. فقد تعبت من سقطات اللسان وخطايا اللسان. ولو لم يتقدّس القلب بالكامل فَهَيْهَات أن ينطق اللسان بالصالحات.
لقد غلب الروتين حتّى على ممارسة الأسرار، فصِرتُ أحضر إلى الكنيسة، وأشترك في سِرّ ذبيحتك الإلهية، ولكن كما لقومٍ عادة.. ففقدتُ أشهى ثمرات التناول والاعتراف.
هل أطمع يا سيّدي أن تُزيل الغشاوة عن عينيَّ قلبي، يا من فتحتَ عينيَّ الأعمى، حتى أستعيدُ البصيرة التي أتأمّل بها إلى أسرارك المُحيية، فأعترف بخطاياي وأحظى بالاعتراف.. وأتناول من جسدك الطاهر، فأتحوّل وأتغيّر وأنمو كلّ يوم.. حتى إذاما أتيتُ إلى كمال الأربعين، أخرجُ ظافرًا بك، غالبًا معك، محتميًا فيك.. فيذهب عنّي المُجَرِّب..
اسمع واستجِب يا ربّي وإلهي.. آمين.
القمص لوقا سيداروس