د. ق / مجدى صابر
بنعمة المسيح نقرأ ما جاء متى 14 : 4 " لا يحل أن تكون لك " 
هذه الجملة قالها يوحنا لهيرودس رئيس الربع ، فبعد موت هيرودس الكبير قسم الرومان مملكته إلى أربعة أقسام ، فتقاسم مع أخوته مملكة أبيه وأخذ هيرودس (وكان يدعى هيرودس أنتيباس ) ربعها ، وحكم فى الجليل وشرق الأردن ، وقد تزوج هيرودس من هيروديا إمرأة أخيه ، لذلك لم يكن لهيرودس سمعة طيبة بين الشعب ، و كان أيضاً هناك رأى آخر وصوت آخر يدوى فى أذن هيرودس قائلاً " لا يحل أن تكون لك " 
 
صوت يوحنا الذى لا يداهن ولا يذعن إلا للحق . ، وعبارة " لا يحل " هى عبارة شريعية يهودية إقتبسها يوحنا من الشريعة محذراً هيردودس بألا يحذو حذو الأمم ويتبع عقيدتهم .
 
فقام بوضعه فى السجن ( مت 14 : 3 ) ، ولم يرد أن يقتله خوفاً من الشعب ، نعم كان يخاف الناس ولا يخف الله ....يا لها من مفارقة غريبة ، فأغلبنا يخاف البشر ولا نخاف الله ....على أية حال .....كم تخيف كلمة الحق الجبناء ، وكلمة الحق هذه جعلت من يوحنا شخصاً مكروها بغيضاً من هيرودس وهيروديا التى حنقت عليه وكمنت له كميناً فى قلبها حتى إذا جاء الوقت المناسب لقتله فعلت ذلك ، وقد حان الوقت المنشود حين جاء حفل مولد هيرودس ، رقصت إبنة هيروديا أمام المتكئين معلنة الإثم الأول ألا وهو موافقتها على زواج عمها من أمها 
 
فسر هيرودس بهذا الرقص وقال لها " مهما أردت أطلبى منى فأعطيك " ثم أقسم لها أن " مهما طلبت منى لأعطيك حتى نصف مملكتى " ، يا لها من فرصة عظيمة وغنيمة إمتلكتها تلك الصبية وأمها فتشاورتا على الطلب المنشود ، الإثم الثانى ، الذى طال إنتظاره وهو " راس يوحنا المعمدان ) ، فللوقت أرسل الملك ليؤتى برأس يوحنا ، وكان ثمن كلمة الحق غال جداً ، ولكن لم يدخر يوحنا هذا الثمن بل قدم رأسه عن طيب خاطر ثمناً لكلمة الحق الذى لا يعلو عليه كلمة .
 
إن تسليم رأس يوحنا يرمز إلى تسليم إسرائيل مجد الشريعة إلى شهوات الناس ، وبذلك تم كشف فحشاء إسرائيل وخيانته للوصايا .
 
ولكن أتظنون أن الأمر قد إنتهى عند هذا الحد ، كلا ، فقد كان هيرودس يهاب صوت يوحنا حتى بعد مماته ، يطارده ذلك الصوت فى قيامه ومنامه ، صوت يوحنا ، ويوحنا برغم من أنه لم يصنع آية واحده  إلا أن صوت الحق الذى بداخله يدوى فى كل مكان يدعو الناس إلى التوبة وإتباع الحق ، تلك هى الآية التى يجب أن نتبعها فى كل زمان ومكان غير منساقين إلى الآيات والمعجزات .
 
 نعم هذا هو يوحنا الممتلىء بروح إيليا ، ونفس روح الحق التى لبسته هى التى  لبسها إيليا من قبل ( مت 11 : 14 ) .
 
لقد دب الرعب فى قلب هيرودس حين سمع عما يفعله الرب وظن أن يوحنا قد قام من الأموات ....إن صوت الحق لا يمت أبداً أيها الهيرودس ، فقد ذكر الكتاب 
 
" وَلكِنْ لَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ قَالَ:«هذَا هُوَ يُوحَنَّا الَّذِي قَطَعْتُ أَنَا رَأْسَهُ. إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ!» مر 6 : 16 
 
إن صوت الحق يطارد كل أثيم معلناً " لا يحل لك "
 
ويحكى لنا التاريخ أن الإمبراطور كاليجولا قد نفى الملك هيرودس إلى فرنسا ، فإلى كل هيرودس بيننا ...سيأتى يوم فيه يتم نفيك عن مراحم الرب لأنك تقتل صوت الحق فى كل مرة يدعوك فيها للتوبة ، فإن صوت الحق لن يمت وسيطاردك فى كل مكان حتى مخدعك .
 
وإلى كل رجل من رجال الله ، هل ستمتلىء بروح يوحنا المعمدان وروح إيليا معلنا كلمة الحق مهما كانت النتائج ومهما كان الثمن ، متغاضياً عن المداهنة والمساومة ، فكم من رجال سقطوا فى فخ التنحى عن كلمة الحق مقابل الحصول على المنصب أو المال أو الشهوة ، إعلم أن الثمن سيكون باهظاً ، وإعلم أيضاً أن لك الحق فى قبول دفع الثمن أو رفضه .... الأمر متروك لك .