حمدي رزق
فى شروحات ديوان الحماسة: «إِنَّ الدَّوَاهِىَ إِذَا نَزَلَتْ بِسَاحَتِى لَا تَلِينُ لَهَا عَرِيكَتِى، وَلَا تَحْصُلُ عَلىَّ تَذَلَّلَا لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلٌ لَىٍّ».
أعلاه وصف حال الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، الرجل على موقفه المنصف والعادل، لا تلين عريكته، ولا يتذلل لإسرائيل، يخاطب ضمير العالم الغائب تمامًا عن الكارثة الإنسانية فى غزة.
غوتيريش جاء (السبت الماضى) من آخر الكرة الأرضية يسعى إلى معبر رفح، حاملًا أصوات الغالبية العظمى من دول العالم التى سئمت ما يحدث فى غزة، وتطالب بوقف إطلاق النار فورًا، وإدخال المساعدات الإنسانية عاجلًا.
يُذهلك غوتيريش، دبلوماسى إنسان، معجون بالإنسانية، شجاعته لافتة، ومقولاته شجاعة، يقولها صريحة فى وجه مجرمى الحرب، «أى توسع إسرائيلى فى الهجمات سيحمل كارثة حقيقية»، ويحذر «الكثير من الغزيين ليس لديهم ما يقيتهم ويسد جوعتهم فى رمضان، وفى القطاع معاناة ومجاعة وكارثة حقيقية، والفلسطينيون من أطفال ونساء ورجال يعيشون كابوسًا لا ينتهى».
الأمين العام يحاول جاهدًا إنقاذ أرواح الغزيين البريئة من كارثة محدقة، الفلسطينيون فى قطاع غزة يستحقون اتفاقًا فوريًا إنسانيًا لوقف النار، دونه الموت. غزة تحولت إلى مقبرة جماعية، مقبرة تتسع لمليونى فلسطينى، إذا لم يقف العالم الحر فى وجه المحرقة الإسرائيلية، ويئد نارها الموقدة ستسجلها كتب التاريخ فى نفس فصل المحرقة، الإبادة النازية لليهود (الهولوكوست)!
العظيم غوتيريش برز فى المجزرة بوجه مغاير لما ألفناه من سابقيه فى موقع الأمين العام، يذكرك بطيب الذكر المصرى العظيم الدكتور بطرس غالى، نيح الله روحه، الذى دفع ثمن وقفته الشجاعة الرافضة للغزو الأمريكى للعراق تحت وطأة القصف الأمريكى. ندرة من الرجال، موقفه أهم من منصبه، ويُسخِّر منصبه ومنصته العالمية للوقوف فى وجه الظلم والطغيان وحرب الإبادة الجماعية.
قبله (قبل غوتيريش) ألفنا من كان يشجب ويدين مثله مثل الكثيرين، ويمضى لحاله سبيله، يسجل موقفًا، لكن غوتيريش قرن القول الفعل، وخاطب الضمير العالمى من على منبر الأمم المتحدة، وفى مجلس الأمن، ومن معبر رفح، كان فارقًا فى موقفه الثابت من رفض العدوان، وزعامات غربية تتخبط مواقفها، يصرخ فى الضمائر الحية طالبًا وقف إطلاق نار إنسانى فورًا.
بشجاعة يقولها: «هناك أكثر من ٢ مليون شخص يعانون، لا يوجد لديهم طعام أو شراب أو أدوية، نحتاج فورًا إلى دخول الطعام والدواء».
ورغم حملة الترهيب الإسرائيلية التى بلغت حد الابتزاز السياسى الرخيص، وضغوط العواصم الكبرى سيما الضغط الأمريكى والأوروبى ليصمت غوتيريش تمامًا عن هول ما يرى من بربرية إسرائيلية، لايزال السياسى البرتغالى المخضرم مُصرًا على قول الحق، ويصدح بحجم المأساة الإنسانية فى غزة حتى السبت الماضى من معبر رفح. ورغم لغته الدبلوماسية الراقية التى هى من مسوغات وظيفته.
فكلماته ذات الطابع الإنسانى، وتركيزه على مأساة غزة، له وقع ثقيل على قادة الحرب البربرية فى إسرائيل، يحاولون إسكاته بشتى الطرق ولكنه ماضٍ فى طريقه، يقولها أنقذوا أطفال غزة، لا يخاف من شىء أو على شىء، لا يلوى على شىء، ولا حتى منصبه، وماذا يضيف المنصب الرفيع إذا تخلى عن واجبه الإنسانى...
نقلا عن المصري اليوم