القمص يوحنا نصيف
الإنجيل من لوقا (11: 33 – 36)
    «لَيْسَ أَحَدٌ يُوقِدُ سِرَاجًا وَيَضَعُهُ فِي خِفْيَةٍ، وَلاَ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ، لِكَيْ يَنْظُرَ الدَّاخِلُونَ النُّورَ. سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا. اُنْظُرْ إِذًا لِئَلاَّ يَكُونَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظُلْمَةً. فَإِنْ كَانَ جَسَدُكَ كُلُّهُ نَيِّرًا لَيْسَ فِيهِ جُزْءٌ مُظْلِمٌ، يَكُونُ نَيِّرًا كُلُّهُ، كَمَا حِينَمَا يُضِيءُ لَكَ السِّرَاجُ بِلَمَعَانِهِ».

* «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ»
    نحن «نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً» (1يو5: 20)، وهي أعظم عطيّة. غرس فينا عَينًا نيِّرةً مضيئةً، وهي خِلقتنا الجديدة بالمعمودية، التي هي الاستنارة. لذلك وُصفت بأنّها عينٌ بسيطة.. مُنِيرة ونَيِّرة معًا. فإن سلكنا بها يكون الجسد كلّه نَيِّرًا. وإن سلَكنا بحسب طبيعتنا القديمة الساقطة، فإنّ العين الشرّيرة تجعل الجسد كلّه مُظلِمًا.

    «فاُنْظُرْ إِذًا».. هكذا قال الرب «لِئَلاَّ يَكُونَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاماً». حافِظْ على بساطة ونقاوة عينيك بالنعمة التي فيك. «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ» (مت5: 8 ).. نقاوة القلب هي الاستنارة لرؤية الله، في كلّ شيء وفي كلّ أحد. فإن فقَدَ القلب نقاوته، انطمسَتْ البصيرة وغابَتْ الرؤية.
    احذَرْ مِن كلّ ما يُعَكِّر القلب؛ مِن عدم المحبة، والكبرياء، والنميمة، وسوء الظنّ، والميول المنحرفة، وحُبّ العالم، وحُبّ الامتلاك، والمجد الباطل، والغضب... إلخ. كلّ هذه تنجّس الإنسان، وتُفقِده نقاوة القلب.

    العين سراج الجسد.. احفظها من النظر إلى الأباطيل.. قُلْ: الربّ نوري. واطلبْهُ كلّ حين «أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ الْمَوْتِ» (مز13: 3). فإن كانت عين الجسد نَخاف عليها، ونحفظها كأغلى ما في الجسد.. فبالأولى العين الداخليّة، السراج الحقيقي والنور الحقيقي فينا، تحتاج إلى أكثر عناية وأكثر حرص.
    احفظ عينَك الخارجيّة في القداسة، وانظر إلى كلّ ما هو صالح، تَضمَن سلامة عينك في الداخل. بل اجعل عين قلبك هي التي تقود طريقك، وتضبط نظرك الخارجي.

    نور العين هو الإنجيل.. «سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي» (مز119: 105).
    نور العين هو الوصايا.. «وَصَايَا الرَّبِّ تُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ» (مز19: 8 ).

    + هذا الفصل من الإنجيل وضعه الآباء بعد التجربة مباشرة؛ لعلّه يشير إلى أنّ البصيرة والاستنارة ضروريّة وأساسيّة لنا، لكي نجوز التجارب. ونغلب العدو الخَدّاع.. نحتاج فعلاً إلى الإفراز، كما يُسَمِّيه الآباء، لكي لا تنطلي علينا خِدَع الشياطين.

    العين المستنيرة لا تنخدع. تستطيع أن تميّز الحقّ من الأباطيل، والجيّد مِن الرديء، والطرق المستقيمة مِن الملتوية. بل قُلْ أنّها الضابط الحقيقي في حروب الروح وتجارب العدو، لأنّه غشّاش يُغلِّف الأمور بغلاف جذّاب، ويُجَمِّل الشرور والشهوات على غير طبيعتها.. نحتاج إلى البصيرة لنَفضَح حِيَلَه ونكشف فِخاخه.
القمص لوقا سيداروس
القمص يوحنا نصيف