صلاح الغزالي حرب
أولا.. دعوة إلى الخير:
سعدت كثيرا بدعوة كريمة من إدارة مستشفى 57357 لإلقاء محاضرة تتعلق بكيفية تعامل مريض السكر أو الضغط أو السمنة مع شهر الصيام وكم كانت سعادتى بزيارة هذا الصرح العالمى العظيم والذى يعنى بالأطفال المصابين بالسرطان بأعلى درجات الجودة وبغير أى نفقات من المريض، خاصة فى هذه المرحلة الصعبة اقتصاديا والتى أثرت بشدة على تكلفة علاج هذه الأمراض الخبيثة.. وبعد انتهاء الندوة قمت بجولة فى أنحاء المستشفى والتى بدأ التفكير فيها لأول مرة فى عام 1998 مع إنشاء جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان، وتم افتتاحها فى 7 يوليو 2007 وبلغ عدد الأسرة التى بدأت بها 179 سريرا وصلت الآن إلى 300 سرير، بالإضافة إلى 62 كرسى لعلاج اليوم الواحد لتلقى الجرعات، وحاليا فإن عدد الحالات التى يتم استقبالها على مدار اليوم فى العيادة الخارجية يتراوح بين 400 و500 حالة ويبلغ متوسط عدد الأطفال الذين يتم استقبالهم بالطوارئ يوميا 70 مريضا من عمر سنة إلى عمر 18 سنة، ويجرى الآن العمل على توسعة القسم من 7 و14 غرفة بتكلفة إجمالية تبلغ 50 مليون جنيه.. ويبلغ عدد المرضى حاليا الذين يتلقون العلاج 13 ألفا و825 مريضا، وهناك ممرضة لكل مريض بالعناية المركزة وممرضة لكل 5 مرضى بالأقسام الداخلية، ويبلغ متوسط نسبة الشفاء فى المستشفى 72% مقارنة مع النسب العالمية 80- 85% والحمد لله، ويبلغ متوسط التكلفة الشهرية للأدوية 10 ملايين و195 ألفا و806 جنيهات، كما تبلغ تكلفة الأطراف الصناعية فى المتوسط 41 ألف جنيه شهريا وعن العمليات الجراحة التى تجرى فى هذا الصرح العظيم فإن عدد ما تم إجراؤه فى عام 2023 4 آلاف و846 عملية (8 غرف عمليات كبرى و2 صغرى) وعن تكلفة عملية زرع النخاع فتبلغ 290 ألف جنيه (متوسط عدد مرضى النخاع خلال 2023 70 مريضا) ويجرى الآن العمل على توسعة هذا القسم ليصبح 27 غرفة.. ويضاف إلى ذلك تكلفة التغذية العلاجية وجلسات العلاج الإشعاعى والمبانى الجديدة تحت التجهيز وغيرها.
وقد فوجئت وسعدت كثيرا فى هذه الزيارة بأمرين: الأول هو التطور الكبير فى مركز العلاج بالفن! والذى بدأ فى عام 2014 وهو يستقبل الأطفال المقيمين بالمستشفى سواء لتجهيز عمليات أو جرعات العلاج الكيماوى، بالإضافة إلى الذين يترددون على المستشفى للفحوصات والأشعة والتحاليل، وكذلك الذين أنهوا علاجهم وجاءوا لدعم ومساندة باقى الأطفال، حيث يعبر كل منهم عما يجيش فى صدره، سواء بالرسم أو بالأعمال اليدوية أو الموسيقى مع وجود متخصصين فى الصحة النفسية لتفريغ حالات الخوف أو الغضب أو اليأس من أجل صحة نفسية وجسدية سليمة، وقد شاركت بعض أعمالهم فى معارض داخلية وخارجية.. أما الأمر الثانى فكان مفاجأة سعيدة لى ولكل المصريين، حيث دخلت مبنى خاصا جديدا أنشئ خصيصا لاحتضان جهاز لعلاج السرطان بتقنية متقدمة للجراحة الإشعاعية غير التوغلية والخالية من أى ألم (سايبر نايف) والذى بإمكانه علاج السرطان وبعض الحالات الأخرى التى يكون فيها العلاج الإشعاعى ملائما ويتم استخدامه عبر روبوت صناعى يقوم بإطلاق شعاع من مئات الزوايا مع تحريك المريض على أريكة آلية.. ويعتبر مستشفى 57 هو أول مؤسسة طبية فى مصر تعتمد على هذا النوع من العلاج المتقدم وهو الأول فى إفريقيا والثالث فى منطقة الشرق الأوسط.. وتتركز أهمية هذا الجهاز فى أن عدد جلسات الإشعاع تقل كثيرا عن المستخدم حاليا، وعلى سبيل المثال فى سرطان البروستاتا يحتاج العلاج التقليدى 30 جلسة، فى حين أنها باستخدام السايبر نايف تحتاج إلى 5 جلسات فقط، بالإضافة إلى مدى دقة وصول الإشعاع إلى الجزء المصاب فقط بدون إصابة الأنسجة المجاورة، وذلك باستخدام الذكاء الاصطناعى.
خلاصة القول: إنى فخور بهذا الصرح العلمى العالمى فى بلدنا مصر والمعتمد فقط على التبرعات من أجل إنقاذ أطفالنا من هذا المرض الخطير، وأدعو كل قارئ أن يقوم بزيارة هذا الصرح والتعرف عليه والمساهمة إن أمكن فى استمرار هذا الجهد الكبير من أجل حياة سعيدة لفلذات أكبادنا.
ثانيا.. تحذير من الإسلام الدخيل:
التدين فى الإسلام هو انعكاس لفلسفة الإسلام على بناء شخصية المسلم وهى ليست فلسفة قائمة على العنف ولا على الحرج (وجاهدوا فى الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم فى الدين من حرج) و(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا)، وفى مقام الصوم (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)، وهذا يعنى أن فلسفة التدين قائمة على الاستجابة للفطرة وعلى التعامل مع ضرورات ومطالب الإنسان.. أما ما نحذر منه بقوة فهو الإسلام الشكلى أو المغشوش أو الدخيل الذى تسلل إلينا، وتمكن من الكثير منا والذى يركز على المظهر والشكل الذى يبدو أمام الناس بصورة المتدين، فهناك من لا تفوته صلاة الجماعة بالمسجد، وهو فى الحقيقة مضيع لحقوق الناس أو يغش فى المعاملات المالية أو يكذب أو يسرق أو يسىء معاشرة زوجته، وغير ذلك الكثير، فى حين أن طبيعة التكاليف الشرعية تنبئ بأنها قبل أن تكون غاية فإنها وسيلة إلى غاية (أقم الصلاة لذكرى) (واستعينوا بالصبر والصلاة)، فغايات القرآن تجدها فى الآيات التى بعد (لعل)، ومن ذلك (لعلكم تشكرون) (لعلكم تهتدون) (لعلكم تتقون) (لعلكم تتفكرون) (لعلكم تفلحون)، وغيرها، ورغم تعدد هذه الغايات فى صورتها إلا أنها غاية واحدة فى جوهرها وهى ضبط النفس وحملها على الطريق الصحيح، وهو ما عبر عنه رسولنا الكريم بجهاد النفس، وقد عبر عن ذلك مؤخرا فى مقاله بالأهرام الأستاذ الصحفى والمفكر الكبير رجب البنا بقوله إن ما قاله الفقهاء وأصحاب الفتوى هو اجتهاد يخضع للصواب والخطأ وتكون مواجهته الرأى بالرأى من أهل الاختصاص المؤهلين لذلك، ويقول على لسان الشيخ عبدالجليل عيسى، وهو من كبار علماء الأزهر، إنه ليس لواحد من البشر بعد الرسول تفويض إلهى ولا هم مبعوثون برسالة من السماء.. وكلنا يذكر الفترة السوداء التى عشناها مع جماعة الإخوان المتأسلمة الذين استطاعوا أن يتسللوا إلى عقول شبابنا فى المدارس والجامعات، ولا يمكن أن أنسى قول أحد قياداتهم لى إنه يكفيهم أنهم استطاعوا أن ينشروا الحجاب على نساء مصر كرمز للانتماء الفكرى أو التنظيمى للجماعة التى أنشئت بمساعدة الاحتلال البريطانى فى هذه الفترة والذى هو ليس فرضا فى الإسلام الذى يأمرنا بضرورة الحفاظ على كرامة وحرمة جسد الإنسان رجلا كان أو امرأة (يا بنى آدم قد أنزلنا لكم لباسا يوارى سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير)، حيث كان بعض المشركين يتعبدون بالتعرى وخلع الثياب فى الطواف بالبيت، وهناك قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) و(قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)، وعن هذا الأمر تحديدا فلا أدرى من الذى جعل شعر المرأة أكثر إغراء من وجهها؟ ثم لماذا ينظر وقد أمره ربه بغض البصر؟ ونختم بقوله تعالى (وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا من اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)، وطائره تعنى عمله.
إن اقتران العبادات والمعاملات شرط لكمال الإيمان، فالمعاملات دون عبادات لا خير فيها، والعبادات بلا معاملات لا قيمة لها كما قال د. مختار مرزوق، العميد السابق لكلية أصول الدين بأسيوط، لأن العبادات أمر بين الإنسان وربه، أما المعاملات فهى تعود على الخلق إيجابيا أو سلبيا، ونختم بفضيلة العالم الشيخ محمد الغزالى الذى قال (إن التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ)، وقال (ما قيمة صلاة وصيام لا يعلمان الإنسان نظافة الضمير والجوارح)..
نحن فى حاجة ماسة لشرح حقيقة الإسلام السمحة، وهى مسؤولية فى رقبة الأسرة والإعلام والتعليم ورجال الدين المستنيرين، وما أكثرهم، من أجل أن نفوز فى الدنيا والآخرة.
نقلا عن المصرى اليوم