سامح فوزي
الكتابة فى التاريخ المعاصر ممتعة، لأنها تكشف جوانب مهمة من تطور المجتمع ذاته، والتطور الثقافى والاجتماعى للقارئ والمتابع، حيث إن بعضًا من الراحلين اليوم، كان لنا معهم حوارات ونقاشات. كانوا قريبين بالأمس، الآن هم ليسوا موجودين.
اتجه ماجد كامل، وهو باحث فى مجال التاريخ عامة، والقبطى خاصة إلى إصدار الجزء الأول من مجلد ضخم بعنوان «مائة شخصية قبطية على أرض مصر»، قدم له البابا تواضروس الثانى، وهو كتاب يظهر محتواه من عنوانه، فهو يهتم بشخصيات قبطية من القرنين التاسع عشر والعشرين فى شتى المجالات، وبعضهم رحل منذ سنوات قليلة، وكنت على معرفة بهم. جهد مُقدر بالطبع، لأنه يؤرخ لشخصيات يصعب أن تجد عملا واحدًا يجمعها جميعًا بين دفتيه، وقد غلب على أسلوب الباحث البساطة فى العرض، حيث اكتفى برصد المعلومات الشخصية الأساسية عن كل شخص، وأدواره العامة، ومؤلفاته إن وجدت، وأهم الأعمال التى قام بها. وهناك شخصيات لم أكن أعرف ديانتها، وعلمت من كتاب ماجد كامل أنها قبطية.
بصفة عامة أنا لا أرحب كثيرًا بالتصنيف الدينى للشخصيات العامة، ولاسيما أن غالبيتها انطلقت فى تفاعلها مع المجتمع من خلفيتها العلمية ونشاطها الثقافى وأدوارها العامة، ولم تكن ترغب فى أن تقدم نفسها إلى المجتمع العام من منطلق دينى، وربما لو سألت غالبية هؤلاء الأشخاص فى حياتهم فقد تستغرب من أن جانبًا كبيرًا منهم لم يكن يفضل أن تكون هويته الدينية حاضرة فى تعريف نفسه للمجتمع. وبالرغم من ذلك، فإننى أظن أن ماجد كامل قدم عملا مهما، لأنه كشف أن مشاركة الأقباط فى الشأن العام ليست محصورة فى الجانب الدينى أو الهم الطائفى، لكنها منتشرة فى نسيج المجتمع كله، وليست غريبة عليه. هناك المؤرخ، والطبيب، والسياسى، والأديب، والفنان، والمعمارى، والأكاديمى... إلخ. حالة فريدة من التنوع تظل بالتأكيد عصية على محاولات الحشر فى الخندق الطائفى، وهى محاولات وجدنا فى العقود الأخيرة البعض حريصًا عليها، وللأسف انساق نفر من الأقباط خلفها ظانين أن قبطيتهم تجلب لهم مكاسب.
قدم لنا ماجد كامل صورة طبيعية تلقائية للأقباط المبدعين فى المجتمع المصرى، الذين لم تؤرق الكثير منهم التصنيفات الطائفية، وغلب عليهم الانتماء المصرى، وكثير من الإسهامات القيمة التى قدموها للمجتمع لم تكن «قبطية» بالمعنى الحرفى، ولكنها مصرية عامة، كل فى مجاله، والذى صار علمًا فيه. جانب آخر رأيته فى الصورة التى رسمها ماجد كامل وهى الحضور القبطى المدنى، فقد قدم شخصيات من قلب الحياة العلمية والأكاديمية، لم يكونوا رجال دين، بل كانوا شخصيات مدنية عامة. وقد رأيت فى تقديم البابا تواضروس للكتاب لافتة معبرة من أن الحضور القبطى فى المجتمع ليس كنسيًا، أو دينيًا فقط، لكنه أيضا مدنى، يعبر عن روح الامتزاج الحقيقية بين المسلمين والأقباط، حيث يظل الدين فى موضعه مكرمًا، وتظل علاقات التفاعل بين المواطنين على أرض الوطن الواحد هى أساس التفاعل اليومى، وقد أحسن ماجد كامل حين أوجد فى عنوان الكتاب ارتباطًا بين الشخصيات القبطية وأرض مصر، وهو ارتباط حى وعضوى وممتد.
نقلا عن الشروق